يتحمس الكثيرون لفكرة ترك الوظيفة وبدء مشروعهم الخاص، ويضع الكثير مدخراتهم في مشروعات غير مدروسة جيداً، إضافة إلى قلة الخبرة في أمور التسويق والمبيعات، وإدارة السيولة، ونظام الضرائب، وتحديات السوق، وقد ينجح البعض نجاحاً باهراً، وهناك الكثير من الأمثلة، مثل «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك»، ولكن بكل تأكيد فإن نسبة الشركات التي تصل إلى هذا المجد ضئيلة جداً، لذلك هناك طريقة آمنة وفعالة لريادة الأعمال، والنجاح شبه المضمون، ودون مخاطرة، وهي «ريادة الأعمال الداخلية»، أي Intrapreneurship.
«ريتشارد مونتنيز» عامل نظافة مهاجر من المكسيك، كان يعمل في شركة الوجبات الخفيفة، Lay’s التابعة لشركة «بيبسيكو»، والتي تنتج المنتج الشهير «شيتوس»، وكان يتقاضى أربعة دولارات في الساعة، في أواخر الثمانينات كانت الشركة تمر بمشكلات مالية، وجّه على أثرها المدير التنفيذي نداءً إلى كل العاملين بالمساعدة في إنقاذ الشركة، ولو بفكرة بسيطة.
قرأ ريتشارد النداء، وربط بينه وبين رغبته الدائمة في وجبة خفيفة حارة بنكهة الصلصات المكسيكية المحببة لديه، ولكنها لم تكن متوافرة، وواتته فكرة بسيطة، ونظراً لأنه لا يجيد تقديم الأفكار بصورة احترافية، فقد قام بأخذ بعض من «الشيتوس» السادة، وإعداد صلصته الخاصة، وغمس فيها «الشيتوس»، وعبأه في أكياس، رسم عليها يدوياً رسومات تعكس ثقافة أميركا اللاتينية، وطلب مقابلة أعضاء الإدارة، ووزعها عليهم، وكانت مفاجأة له حينما أجمع الكل على إعجابهم بالمنتج الجديد، وطريقة تقديمه، والألوان على الكيس.
وخلال الاجتماع، قال له الرئيس التنفيذي: «من اليوم ستترك الممسحة، فأنت الآن من فريق الإدارة»، وتم تدريبه وإعداده جيداً لتولي منصبه. اليوم بلغت ثروة ريتشارد عشرات الملايين، كما در منتجه على الشركة مليارات عدة، ويشغل ريتشارد اليوم منصب نائب الرئيس التنفيذي لشركة «بيبسيكو» العالمية، وأصبح من المتحدثين التحفيزيين، ويتقاضى 25 ألف دولار ليتحدث في المؤتمرات، بجانب حصوله على درجة الدكتوراه، ويعتبر كتابه «فليمنج هوت» من أكثر الكتب مبيعاً، وتقوم حالياً الممثلة الشهيرة، إيفا لونجريا، بإنتاج فيلم عن قصة حياته.
تقوم فكرة ريادة الأعمال الداخلية على السماح للعاملين بالمشاركة في الإدارة، أو في تأسيس شركة داخل الشركة، أو خط إنتاج يشرفون هم عليه، وتستهدف الشركات هنا شراء أفكار موظفيها التي تدر عليها دخلاً كبيراً، تستفيد منه الشركة، وفي الوقت نفسه تستبقي موظفيها النابغين، وترضيهم مالياً ومعنوياً، بأن تمنحهم ما يستحقونه، لا أن تتركهم ليغادروا بأفكارهم الذهبية.
فكرة موجودة في الغرب من القرن الـ18، وقد استخدمتها شركة «بروكتر أند جامبل» منذ عشرات السنين، البشر موجودون، والأفكار موجودة بالآلاف، لكن المطلوب مديرون يدركون أهمية الأفكار، ويقدرون موظفيهم، ويعون أن أفكاراً بسيطة يمكن أن تدر الملايين على مؤسساتهم، وفي الوقت نفسه يجب ألا يبخسوا الموظفين حقهم المشروع.
• البشر موجودون، والأفكار موجودة بالآلاف، لكن المطلوب مديرون يدركون أهمية الأفكار، ويقدرون موظفيهم.
@Alaa_Garad