مقالات

الانسحاب الامريكي من افغانستان . . دروس وعبر

#الشبكة_مباشر_لآهاي_أدهم ابراهيم

يمثل الانهيار السريع لحكومة أفغانستان وهروب الرئيس أشرف غني اكبر فشل لسياسة الولايات المتحدة في افغانستان ، وكذلك في العراق .

ويكاد يجمع المحللين على إن ما حدث في أفغانستان أسوأ بكثير مما حدث في فيتنام ، رغم نفي وزير الخارجية الامريكية هذه المقاربة الصائبة .

اذ يقول بلينكين لشبكة سي إن إن: “هذه ليست سايغون” ، في إشارة إلى سقوط العاصمة الفيتنامية عام 1975 ، وهي ذكرى لا تزال مؤلمة للولايات المتحدة . .

لطالما شكك العديد ممن هم في قلب الصراع – الأفغان والجنود ورجال الدولة – في وجهة نظر رئيس الولايات المتحدة بأن الحكومة في كابول يمكنها توفير الأمن للبلاد بمفردها .

حيث أدى انتشار الفساد والمحسوبية إلى تآكل الروح المعنوية للقوات الافغانية بشكل قاتل . وكثيرا ما اشتكوا من نقص الدعم وحتى الذخيرة والطعام .
استغلت حركة طالبان هذه الإحباطات وعدم استعداد تلك القوات المتزايد للموت دفاعًا عن حكومة فاسدة وغير كفؤة ، بعد علمهم بالانسحاب الأمريكي الوشيك نتيجة مفاوضات مباشرة جرت بينهما في قطر ، مما تسبب في هذا النصر السريع لطالبان .

وهذا كان شبيها جدا مما شاهدناه من احتلال داعش للموصل ومحافظات اخرى في العراق نتيجة الفساد والفكر الطائفي المحاصصاتي للاحزاب التي نصبتها امريكا لادارة العراق

بعد 18 عامًا من غزو العراق ثبت عدم فاعلية ، بل كارثية سلوك الولايات المتحدة وتدخلها في حكم العراق .
ان ماجرى في افغانستان على مدى عشرين عاما ثم تركها فريسة لطالبان دروس وعبر للعراق ، حيث تسببت
الولايات المتحدة بالفعل في الكثير من سوء الادارة ، والبؤس للشعب العراقي ، اضافة الى تدمير العديد من مدنه الوادعة ، وأطلقت العنان للعنف الطائفي والتعصب الديني الذي ولد القاعدة ودولة الخرافة الاسلامية داعش فيما بعد ، وكما جرى في افغانسان تماما .
وهكذا يعترف بايدن بقوله
“لم تكن مهمتنا بناء دولة أو خلق ديمقراطية مركزية” وبذلك يكشف زيف الادعاءات الامريكية بتخليص الشعب الافغاني من التطرف الديني وتأسيس دولة مدنية. او تحرير الشعب العراقي من الديكتاتورية وتطبيق الديموقراطية ، وضمان حقوق الانسان كما كانوا يدعون !

لكن بالنسبة لـ 40 مليون عراقي ، كما هو الحال بالنسبة لـ 40 مليون أفغاني ، فإن أكثر ساحات المعارك الأمريكية فوضوية هي بلادهم ، وهذه ليست قصة عرضية ، بل انهم يعيشون حياتهم كلها في ظل الآثار المستمرة لحرب الدمار الشامل التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاءها العلنيين والسريين .

وكنتيجة طبيعية لذلك فقد نزل الشباب العراقي إلى الشوارع في عام 2019 للاحتجاج على تدمير البنية التحتية خلال 16 عامًا عجافا من حكم الاحزاب الفاسدة ومن الفاشلين والفارغين فكريا الذين جلبتهم امريكا من اصقاع الارض . وكذلك ضد التدخلات الاجنبية التي تخدم المصالح الذاتية للولايات المتحدة وإيران
على حد سواء .

ان مايجري في أفغانستان من أحداث ستنعكس بالتأكيد على منطقة الشرق الاوسط وخصوصا الوضع الأمني والعسكري في كل من العراق وسوريا ، حيث مازالت التنظيمات الاسلامية المتطرفة نشطة في هاتين الدولتين . وقد تأخذ زخما اكبر في المستقبل نتيجة استمرار السلوك الطائفي والتغيير الديموغرافي . وكذلك من خلال الرسائل الخاطئة التي ترسلها واشنطن ، والفوضى التي رافقت عملية الانسحاب من كابول ، وربما مابعد الانسحاب ايضا .
خصوصا وان بايدن قد صرح بان مايجري في سوريا وغرب المتوسط هو اخطر بكثير من تهديدات طالبان للولايات المتحدة .
وهذا يلقي بظلال من الشك حول الانسحاب الفعلي للولايات المتحدة من العراق ، ويحاول رئيس الوزراء العراقي تجنبه من خلال استبدال قوات الولايات المتحدة بقوات حلف الناتو في العمليات التدريبية ، وفي الطلعات الجوية ، لمواجهة تهديدات تنظيم “داعش” المستمرة في العراق .

كما وظفت الولايات المتحدة القاعدة ثم طالبان لتحقيق أغراضها في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق . فانها ستوظف طالبان من جديد لتحقيق اهدافها ولكن هذه المرة من خلال انسحابها وخلق الفوضى او الحرب الاهلية او الاصطدام مع روسيا والصين .

ففيما يتعلق بروسيا ، فاننا سنشهد تشجيع الحركات الاسلامية المتطرفة الكامنة فيها ، ولذلك قامت روسيا على عجل باجراء مناورات محاذية للحدود مع افغانستان ، خشية امتداد التطرف الاسلامي .

وفيما يتعلق بالصين فانها تشترك مع افغانستان في حدود طولها 80 كليومتر تقريباً ، مع اقليم شينجيانغ ذو الاغلبية الايغورية المسلمة الذي يعيش في الاصل اضطرابات بسبب سياسة الصين تجاه الايغور .

واي فوضى في المنطقة الشمالية ستقطع طريق الحرير الجديد المسمى “حزام واحد طريق واحد” الذي يمر عبر افغانستان ، وتريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.

كما ان انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان في هذا الوقت بالذات سيشير بوضوح الى نية واشنطن لإعادة التوازن باتجاه ايران والضغط عليها لتقليص نفوذها من منطقة الشرق الاوسط ، وكذلك للحد من اصرار ايران على مواقفها تجاه السلاح النووي .

واخيرا فان انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان سيكون درسا بليغا للاحزاب الحاكمة في العراق ، ولكل اولئك الساعين لايذاء الشعب العراقي .
واننا على يقين من ان الشعب العراقي قادر لوحده على الخلاص من الظلم والجور نتيحة هذه التدخلات وتنصيب حكام غير جديرين بحكم العراق تحت لافتة الديموقراطية المزعومة .
ادهم ابراهيم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى