أدب وفن

لا ترحل ……بقلم الأديبة أنتصار النعيمي

الشبكة مباشر

لا ترحل
بعد ظهيرة دافئة في منتصف شهر آذار وصلتها رسالة غريبة نوعا ما لأنها لم تعتد أن يراسلها هذا الرجل بموقعه ومقامه المميز لديها، هي تعرفه أنه كاتب مشهور وشخصية راقية ومحترمة متميز بعمله الجاد لهذا لم تتوقع منه مراسلتها دون سبب. لحظات ويحضر السبب مفترشا سؤالا على طاولة الاقتراب.
*هل لك بمراجعة مقالي الذي سأنشره في العدد القادم من الجريدة ؟
-ومن أكون أنا لأراجع لكاتب بحجمك سيدي؟
*الا تعرفين من تكوني؟
أنتِ عند أي كاتب أهم من كل النقاد ومن كل الكتاب المحترفين نحن ندعو امثالك بالقارئ المثالي القارئ السري الذي يتمناه أي كاتب ويتوق ليراجع له ما كتب.
أصابتها الدهشة .. لكنها كانت تعلم بداخلها أن هنالك شيء آخر وراء كل ذلك شيء غير معلن يلوح من بين غيوم شكها وريبتها سيكشف بوقته المناسب.
إستمرَ الحال على ذلك فترة من الزمن يتخللها نقاشات أدبية وبعض الدردشات الخاصة لم تكن مهتمة بوضعه الخاص لذا لم تكن تسأله أي شيء عن خصوصياته إلا ماجاد هو به كاشفا لها بعضا من ادق تفاصيل حياته فقط وهو يحلق على سحب السعادة كي يغريها بالحديث عن امورها الخاصة جدا لأنه يتحرق لمعرفة شيء ما،
ثمة جدار شاهق كان يقف بينه وبينها ويمنعه الاقتراب كل هذه المدة ويكتفي بالنظر والمتابعة من بعيد
انها تخشى اقترابه فهي لا تحب ان تفتح ابوابا على باحة الحب والمشاعر الدافقة مرة اخرى بعد خيبتها التي نالت منها في آخر محاولة لها للارتباط بكاتب آخر استلب منها كل شي ورحل بلا سبب بلا ذريعة لم يترك لها حتى رسالة وداع كي لايغلق الابواب خلفه ربما ليعود اليها في لحظة ضعف وشوق ليختبئ بأحضانها التي لم تبخل عليه بها يوما كلما غادر وعاد كان هذا هو الجدار الذي استشعره منذ اول رسالة بينهما لأنها لم ترغب أن تخدع رجلا بكل هذه المشاعر وهذا الحب والعاطفة وتوهمه انها حرة وتجعله يتعلق بها لذا فقد داهمته بالاعتراف بكل شيء حالما سألها باول حوار عن كتاباتها التي لم يقرأ مثلها لامراة قبلا
*لمن تكتبين؟
لم ترواغه كما اعتقد وكما اعتاد الجميع لاخفاء حياتهم الخاصة بعيدا عن كل الناس لأنها لم تعتبره كباقي الناس بل اعتبرته هو كل العالم الذي سيحيطها يوما بكل الحب والعناية والحنان الذي تتلقاه من طاقته المتجهة نحوها من خلال حروف صادقة لامست روحها
حدثته عن كل شيء الم بها وكيف
اصبحت وجلة مجوفة من الداخل لاتقوى حتى على الابتسام لرجل يسلبها ماتبقى من روحها او يطعنها بكل مقدس يجمل مشاعرها.
كل محاولاتها لإبعاده باءت بالفشل كان مصرا أن يحتضنها بكل حبه الذي وقفت أمامه عاجزة لأنها لم ترى مثل هذا التفاني عند رجل آخر من قبل، كان مميزا بعطاءه ومميزا بكل مايحمل من صفات رغم إنه لم يكن وسيما وقد وضع قدمه على أولى عتبات التقدم بالسن لكنه كان مدهشا لدرجة أنها لاتصدق كل ذلك الذي يحدث معها اذ لايوجد رجل مثالي لهذا الحد لتقع بحبه بعد كل ماعانته من وسيمها الحبيب الأول الذي أغدقت عليه بكل عطائها حبا وحنانا ووفاء وعاقبها بكل قسوته ورحل تاركا وراءه كومة خيبات وشفاه عطشى لقبل مؤجلة وجسدا ظل يحلم باحتضانة حب لم يأتي.
كل ذلك الصراع يحتدم داخل روحها كل يوم كلما حان موعد قدومه مقتربا حتى صارحته بكل شيء ذات استسلام بعد أن ألح عليها برقته المعهودة.
– أعلم أنكِ تكتبين لرجل. هل تحبينه لهذا الحد؟
هل لايزال هنا؟
فلم تخبئ الأمر وواجهته بكل صراحة وتمنت لو أنه رحل وتركها لكل خساراتها وفشلها تركها تواجه وحدتها واسى ايامها.
حبه لها منعه من أي تصرف غير محسوب قد يؤذي مشاعرها، كان يستمع لها ويتفاعل معها ويستجيب لكل نداءات أحزانها لم يبخل بأي شيء معها، فقط ليحتضنها ويحيا بدفء مشاعرها ويتنفس عطرها الذي تنشره عليه حروفها، لم يأخذ منها أي شيء وكان يمنحها كل شيء.
كلما كانت تفكر بهاجس من الشك نحوه لكونه بهذه المثالية المفرطة، يفاجأها بتصرف صادم يبهرها بحبه لها ولم ينتظر منها كلمة حب أبدا فقط ليشعرها بالأمان بعد ان علم بخيبتها التي اصابتها بحبها الاول كأن الله وضعه في حياتها ليعيد تشكيل كل شيء ليغير شخصيتها المريضة ليخبرها ان الحياة تمنح كما تأخذ.
في خضم كل ذلك كانت تعد لأحد كتبها وهي منغمسة بعملها وحواراتها والغور في سبر حياة كل النجوم الذين سيضيئون صفحات كتابها بحروفهم المتلألئة البراقة بالجمال بالتأكيد لم تكن تمتلك عن الجميع تلك المعلومات التي تمتلكها عنه ولم تعرف دواخلهم وكل صغيرة وكبيرة يخفونها عن قراءهم ومحبيهم كما كانت تعرف عنه فقد اصبح ككتاب مفتوح أمامها تماما كما كان يتمناها أن تكون لكنه مازال يخشى الاقتراب منها لذلك الحد الذي يجعلها تحتضنه بكل حبها ودفئها الذي يشعر به وهو يحاورها
دائما كانت هنالك ستائر مسدلة وأبواب مغلقة وكلمات مغلفة تأبى أن تقفز من أغلفتها المحكمة الإغلاق بمنتهى الجمال.
مهمتها كانت أن تطرح الأسئلة كل يوم وكل الوقت على من تحاورهم وتسجل لهم كل شيء ثم تنشر ماجمعت منهم وتنسق ذلك لتطبعه في كتابها القادم لكن السؤال الذي لم تكتبه ولم تستطع الجواب عنه أمام قلبها ،
-ماهو شعوري نحوه ؟
ماذا يمثل لي ؟
مالذي سيحدث إن رفعت ستائري وفتحت له ابوابي ؟
أنا الآن وحيدة بلا حبيب بعد أن رحل حبيبي وتركني بلا كلمة وداع حتى .. عن أي حبيب أتكلم إنه لم يخبرني بأنه يحبني كي أتمسك بعهد من طرف واحد فقط لاتوجد عهود من طرف واحد إذن أنا حرة أنا حرة ..
هذا ماكانت تحاور نفسها به ماكان يختلج كل ليلة بروحها ثم يأتي ليكلمها فيُغلِق قلبها كل شيء أمامه
ويتحول الحديث مرة أخرى لنقاشات أدبية وبعض العبارات التي يستدرجها بها كي يجعلها تستسلم لحنانه الذي لم تشهد له مثيلا فتحاول التهرب وتلجأ للعبة الأسئلة والمحاورات وهكذا يقضيان الليل باسئلة وأجوبة يعلمان من خلالها كل ما اختبأ بنفسيهما.
وفي إحدى الأمسيات تفاتحه بأن تدرج إسمه مع الأسماء التي ستلمع بين صفحات كتابها ويكون أحد الأدباء الذين تكتب عنهم وتلتقي بهم فوافق بلا تردد وأخبرته أنه سيكون آخر الأسماء في الكتاب لكنها ستحضر الأسئلة له خلال ساعات لأنها تعرف ماتريد ومايريد هو كذلك.
يتواصل عملها مع كل أديب بالحوار وكل صحفي ينشر لها وتمر الأيام وفي كل يوم يطالبها بالاستعجال بإرسال أسألتها له حتى أصبحت كلمة أين أسئلتي هي فاتحة كل حوار بينهما فيضحكان وتخبره أنها وعدته أنه سيكون آخر المحاوَرين في مجموعتها الأولى.
اصراره العجيب على أن تكمل كتابة قصصها وطبعها كان يوحي لها بشيء لم تكن تريد ان تترجمه وتغض بصرها عنه لكن هذا الأمر فرض ذاته عليها أنه يصر بكل حديث لهما أن تباشر بالطبع ولا تتردد كأنه يسابق شيئا ما.
وفي أحد الأيام شعرت أنه على غير عادته لم يكن حاضرا ككل يوم ولم يكن متفاعلا مع كل كلمة تكتبها كأنه ليس هنا كانت تخشى أن يكون غاضبا منها أو أن الزعل قد تسلل إليه لأنها ظلت ترجئ تلك المحاورة فدخلت تستعلم منه عن أخباره فلم يتبين لها شيئا مما ظنت فوضعت أمامه الأسئلة التي سيجيب عليها وطلبت منه ممازحة أن يجيب عنها غدا وإلا فلن تدرجه في كتابها فأخبرها بأنه سيجيبها عن كل شيء ويرسل لها ماتنتظر في مساء الغد،وضحكا وهي تشعر بشيء من السعادة المشوبة بالخوف كعادتها لأنها لم تعتد أن تحب وتسعد وتظل سعيدة لليوم التالي أبدا.
نامت تلك الليلة وكلها لهفة بأنها ستقرر شيئا في أخرمساء يوم غد، ستثور على قلبها الذي يغلق رتاج الحب بإنتظار غائب لا يعود ولن يعود لأنه لاوجود له إلا في أوهامها التي ترتكب لها جرائم الكتابة عنه.
ومع أول حركة لها في السرير تمد يدها لتداعب قفل موبايلها وتعلن أمامها ساعته أنها الواحدة ظهرا ككل يوم تصحو فيه، لم تجد قصيدة الصباح المعهودة ولم يكن ثمة رسائل منه محملة بالزهور الكلامية والصور تسلل الظلام الى روحها لأنها كانت تعلم مدى غيرته عليها وانهالت كل كلمات ليلة امس التي علقت بها لكل شخص لتضع لنفسها عذرا لغيابه بالتأكيد انه الزعل من شيء اثار غيرته تبا لي ما الذي يحدث
تنتقل الى اخر الاخبار
لتطالعها صورة كاتبها الذي شغلها كل هذه المدة من الزمن ويعلوها نعي بلون أسود ليعلن لها أنه إنتقل الى جوار خالقه قبل ساعتين من الآن.
– مهلا …
مهلا …
كيف يحدث ذلك لقد كنت أحاوره قبل أن أنام ؟
ظلم أن يحدث ذلك أرجوكم أخبروني إنها مزحة سمجة للإحتيال علي .
إلهي لمَ فعلت ذلك بي؟
أتوسل إليك ..
هل هو قدري أن لا أحظى بكلمة حب من رجل دون أن يرحل عني ؟
إلهي أعده إلي ساعة فقط كي أخبره بأنني أحببته..أنني أحببته وأنني اتخذت قراري
أرجوك أتوسل إليك أن لا ترحل …
تلك هي اللحظة الوحيدة التي لم تفكر بحبيبها الأول ولم تفكر أن تهرع لتبكي بين يديه بل إكتفت بالبكاء أمام نعي كاتبها الذي مات لأنه الرجل الذي إعتادت أن تبكي أمامه وتشكي إليه كل ما كان يفعله بها حبيبها السابق.
لم يكن غيره يسمعها ويتمزق ألما وصمتا ولا يقوى على إخبارها أنه يحبها لدرجة أنه يتمنى أن يهبها قلبه لتحب به مرة أخرى وتنسى رجلا ربما لم يحبها أبدا.
ولم يبقى غير البكاء رفيقا لها حتى ظنت ان دموعها ستجف كأنها تفطم طفلا غادر صدر امه ويرتفع عويلها تارة وتصمت تارة مستذكرة كل حرف وكل كلمة وقهقهة كانت تصلها منه في ايامها الحزينة وهو يخفف عنها كل احزانها كادت ان تبقى على هذا الحال وتجرفها نوبة كآبة كانت قد خرجت منها مؤخرا بفضله ومساندته الا أنها تذكرت الأسئلة والحوار الذي لم يرسله لها وقد وعدت الجريدة أن تنجزه لهم اليوم ليتم طبعه باليوم اللاحق ولمعت بخلدها فكرة فجلست بكل حزنها ودموعها تجيب عن الأسئلة بطريقته هو بمعلوماته هو وأكتشفت أنه يختبئ داخلها وينام بقلبها بأمان وتكتب وهي تقول له إطمئن سأبقى على عهدك سأبقى كما تريدني لن أستسلم .. لكني أحبك والله أحبك ..
صدقني أنا أحبك …
تنتحب كلماتها إليه دون جدوى فقد رحل وعادت وحيدة بدونه إلى مساءاتها السوداء بلا حبيب ولا رفيق
عادت لسابق عهدها إمرأة بكلمات باذخة الأنوثة من غير رجل تكتب له.
إستلت نفسها من بين ركام أحزانها وفراشها المبلل بالدموع وقررت الإتصال بشقيق صديقها الكاتب وما أن كلمها حتى أخبرها أنه يحمل لها شيئا قد تركه الأستاذ لها أنها وصيته كانت بعضا من كتبه وأموره الشخصية وأشياء أخرى ظن أنها ستسعد لو إمتلكتها وورثتها عنه. وأخبرها أن اخر كلامه كان عنها فقد طلب منه أن يخبرها أن تجيب هي عن الأسئلة بدلا عنه لأنها هي روحه وعقله وكلماته التي كان يكتب بها بل كانت هي وحي كل ماجادت به قريحته يوما .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى