أدب وفن

نوبة برد/ قصة قصيرة عقيل العبود

الشبكة مباشر

نوبة برد/ قصة قصيرة

عقيل العبود

لقد مسَّها العناء اثر ريح عاصف، باقة الورد التي يحملها بين يديه، تلك التي أراد ان يقدمها هدية لزميلته التي ترقد في ردهة زراعة الكلى.

السماء كانت غائمة، والأجواء ملبدة بسحب تنذر بمطر كثيف.

بينما رغم كل ذلك، كان متلهفا لإيصال ما بحوزته الى عزيزة كان ينتظر زيارتها بلهفة.

سيارة الأجرة التي كانت تقله مع آخرين، تعرضت الى حادث انزلاق عن الشارع العام باتجاه منحدر ترابي، ما يفرض عليهم دفع العربة وتخليصها.

الوقت كان يمضي بطريقة توحي بأن اليوم يوشك ان ينقضي بصعوبة بالغة.

اطبق الصمت بعد حالة من اليأس دفعته أسوة بمن معه الى استقلال سيارة اخرى تعود بهم الى منازلهم، خاصة بعد ان أضحت الأجواء شبه متجمدة في الخارج.

النشوة التي اعترته اثر لحظات الشوق، التي كانت تدب في مشاعره مع تلك الإبتسامة التي رسمها في خياله، متأملًا لحظة اللقاء معها، تلاشت تماما مع حالة البرد الذي راح يلف أوصال جسده، خاصة بعد ان اخترق الماء اقدامه عبر جواربه من اسفل قاعدة الحذاء الذي كان يرتديه.

الراكبون على نفس العربة استجابوا لحالة الطوارئ تلك التي تم استلامها في هواتفهم النقالة عن طريق المراكز الخاصة بحالات ال emergency، بينما بات المطر أشد كثافة منذرا عن أنباء فيضانات، وأعاصير قادمة.

لم يبق أمامهم سوى إنقاذ أنفسهم من تلك الزوابع التي راحت تتخللها تساقط أمطار غزيرة.
 
أما الورد فقد انكمشت اوراقه، حتى كأنه راح يستنجد بصاحبه سائلا إياه عن بعض دفء يلوذ به.

فالوريقات الواهنة أمست تشكو من شئ ما يمسك انحاءها، يمنع عروقها النحيفة عن مواصلة التعبير عن رقتها الخجول.

قوة شديدة كأنما راحت تقتلع روحها الندية، تلك الرقائق الناعمة بعد أن كانت تدب فيها الخضرة، والأناقة، والعطر، والألوان.
 
اما حاملها فقد انتابه احساس بالإمتعاض والخجل، مختلطا مع الأسى حيث لم يكن موفقا للوصول الى رفيقته التي اشتد الشوق لرؤيتها.

خاصة بعد ان استوطن الصقيع أنحاء المكان، ليقصف به كما تلك العربة التي لم تعد بعد قابلة للسير.

وبذلك فقدت الحياة، تلك الأزهار التي قبل سويعات كانت محمولة عند ذلك الغصن، الذي هو الآخر أطلق العنان لدموعه، مواسيا هذا الذي أحزنه الإنكسار، ليجد نفسه مستسلما لحالة الأسى والضعف.

آنئذ لم يبق الا فرصة أمل واحدة، وهي ما تبقى من ذلك العطر الذي اختلط بالمطر، كأنما أراد ان يزف رسالة وفاء لحامله، واليها تلك الراقدة على سرير المرض، لعله يقدر ان يسري مسافرا بعطره نَحْوَها مع المطر، وبذلك يكون قد أوفى بمحبته متحديا ذلك الموقف الخَذول.

عندها قرر أن يغادر آخر ما تبقى له من أنفاس متكئا عند حافات ذلك المنحدر الذي ما زال بعيدا بعد عن الشارع العام.

عقيل العبود
ماجستير فلسفة وعلم الأديان وباحث اجتماعي
جامعة سان دييغو

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى