الانسان بين التفاؤل واليأس…
صباح هذا اليوم وأنا ارتشف الشاي كالعادة، وجدتني افكر في النصف الذي اصبح فارغا منه، بينما لازال نصفه الاخر ملآن. فما تناولته منه أدفئني واشعرني بالراحة ، فكرت، ماذا لو كان دواء قد يحمل اثار جانبية ربما فيها ضررا على جسدي. لو طبقنا ذلك على ما يتشربه اي ما يكتسبه الفرد من قيم ومبادئ وعادات ومخاوف وخبرات سارة وأخرى مؤلمة. وما اكتسبناه او تشربناه فعلا بالتربية وبالتجارب والخبرات وما تشمله من متوارث بغثه وسمينه، بحقه وباطله، و ذاته ماترسب في عقولنا وقلوبنا من عادات وصفات وذكريات….الخ.
وما اكتسبناه يؤثر في سلوكنا وعلاقاتنا مع ذواتنا ومع الاخرين ومع البيئة التي نعيش فيها.
ان إدراكنا لنصف الكاس المملوء لاينفي حقيقة علمنا ان النصف الاخر لازال فارغا، فلكل انسان هدف أو طموح. والحقيقة الناقصة -او نصف الحقيقة- التي زودنا بها علماء النفس ليبث الامل في اليائسين والمتشائمين من الحياة. وربما لو عرّفنا هؤلاء لم هو فارغ ذلك النصف، وفقا لخصوصية تجربة الفرد وما خَبُره من شعور جعله يعاني من الفراغ الذي يملا جزءا من حياته واوقاته ومشاعره. اذ ان فراغ الكأس الاول ليس هو ذاته فراغ نصف الكأس الثاني ، وهو ليس كذلك بالنسبة للثالث وهكذا بحسب اختلاف الاشخاص فلكل منهم كأسه ذو النصفين وفراغه الخاص به. ربما لو عرفوا كيف يملء بالعلم والامل الذي يجنبهم الاكتئاب وبالدافعية الصحيحة التي تجنبهم اللامبالاة والملل. وبالايمان بالله وبذواتنا وتجديدها دوما لنبحث ونكتشف نصفنا الفارغ ولنملاه بمعرفتنا بذواتنا التي ابدعها الله تعالى وبها نعرف الله وما يريده حقا لنا.
كل منا لديه نصف فارغ، وهذا الفراغ قد يكون نتيجة لما فرضته علينا قيود المجتمع، قيود ذواتنا المكبلة بالموروث الاجتماعي وترسبات التقاليد القديمة. وبالاطر المتوارثة المسبقة التي تأطرت بها عقولنا ونفوسنا باساطير وخرافات لازلنا وبأسف شديد نتعامل معها على انها قيم عالية لايمكن التخلي عنها. او العيش دونها بعزة وكرامة.
من هنا علينا ان نفهم ونتقبل الجوانب السلبية من ذواتنا، بمعنى الفهم والعلاج لا بمعنى الضعف والاستسلام واللامبالاة ونفهم الجانب السلبي في شخصياتنا وسلوكياتنا، ونتصالح مع فكرة ان الانسان كائن متغير ومتطور فهو لايرقى الى مكانة الملائكة ومابعدها كما في المعنى الذي رواه الامام علي عليه السلام الذي اوضح ان الله تعالى خلق الملائكة عقل بلا شهوة، والحيوان شهوة بلا عقل والانسان من كلا الامرين فمن تغلبت شهوته على عقله اصبح ادنى مرتبة من الحيوان وبالعكس من تغلب عقله على شهوته اسمى من الملائكة. ولا تتحقق الرفعة او السمو الا بمعرفة اسباب الضعف البشري وكيفية التواصل التربوي والعلاجي ليتجاوز ذلك الضعف فيتحول الى قوة تجتهد لتسمو الى ما هو ابعد من مرتبة الملائكة لانها اي الملائكة غير خطّاءة بالفطرة التي فطرها الله تعالى عليها، بينما جُبّل الانسان على الاختيار بين الشكر وبين الكفر، وليس تقبلها كما هي دون تجربة او حتى سؤال.