مدينة ليج البلجيكية التي منحت جامعتها الدكتوراة الفخرية للرئيس الراحل ياسر عرفات
#الشبكة_مباشر_لييج_الدبلوماسي و الكاتب أ حسان البلعاوي
لمع اسم مدينة ليح قبل اشهر، في المشهد السياسي و الإعلامي، عندما قرر المجلس البلدي لهذه المدينة ، في 24 نيسان 2023 ، تجميد العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومع كافة المؤسسات التي تسهل استمرار الاحتلال وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وقد نص القرار على ” تعليق وبشكل مؤقت العلاقة مع دولة إسرائيل والمؤسسات الإسرائيلية الشريكة حتى تضع السلطات الإسرائيلية حدا لنظام انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني والاحترام الكامل التي يفرضها عليها القانون الدولي ومختلف قرارات الأمم المتحدة ”
ان كان هذا القرار هو الأهم الصادر عن مدينة ليج وعن مدينة بلجيكية، الا انه ليس الأول ، فقد اصدر نفس المجلس البلدي للمدينة في 27 مايو 2021 قرارا يدعو ” لتأكيد دعم مدينة ليج للشعب الفلسطيني والذي يتعرض لنظام الفصل العنصري ، للاستيطان والاحتلال العسكري الذي تقوم به دولة إسرائيل ” ، كما اكد القرار ” دعم البلدية للحملة الفلسطينية الغير عنيفة والمعادية للعنصرية والتي تستهدف اقصاء من السوق العام كل شركة لها روابط في احتلال فلسطين ”
وقد تقدم بالقرار والذي نجح، مجموعة حزب العمال البلجيكي، وهو حزب يساري شاب ، معرو ف بتأييده لنضال الشعب الفلسطيني و دعمه في هذا الاتجاه الحزب الاشتراكي و حزب الخضر و ممثل حركة اليسارين الخضر ، مع معارضة ممثلي أحزاب اليمين الليبرالي و الذين يمثلون الأقلية في المجلس البلدي. ، وكان لحركة التضامن مع فلسطين و الجالية الفلسطينية ، والناشطين على مدار سنوات طويلة اثرا في الوصول الى هذا الإنجاز.
من الصحيح ان مدينة ليج لا تقيم علاقة تعاون مع أي مدينة إسرائيلية ، رغم وجود محاولات سابقة بذلك تحت بند احداث توازن مع إقامة علاقة تعاون وتوقيع اتفاقية توأمة مع مدينة رام الله في اذار 2016 ، ومن الصحيح أيضا ان مثل هذا القرار أي تجميد العلاقة مع دولة الاحتلال ، ليس له تبعات سياسية او قانونية على السلطات التنفيذية والتشريعية في بلجيكا ان كان على المستوى الفيدرالي الجامع للكل البلجيكي او على المستوى الإقليمي المتوزع بين خمسة كيانات إقليمية ، لكن له تأثير معنوي واخلاقي هام في دعم نضال الشعب الفلسطيني وتعرية نظام الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي ، مما حدا باللوبي المؤيد لإسرائيل في بلجيكا ، وهو مهم ومؤثر ، ان يقرع ناقوس الخطر ويعتبر قرار المجلس البلدي لمدينة ليج هو في اطار ” حملة نزع الشرعية عن إسرائيل ” وهي حملة تضعها حكومة الاحتلال في سلم أولوياتها.
اذا ذهبنا نتعرف قليلا على ليج ، فنجد انها المدينة الأولى الناطقة باللغة الفرنسية في إقليم والوني، ثاني إقليم في بلجيكا ، وهي عاصمة محافظة ليج ، ويبلغ عدد سكانها قرابة 200 الف ، اما مجموع سكان المحافظة فيصل الى مليون نسمة تقريبا ، وهي الثالثة في بلجيكا . نسمة وهي جزء من محافظة تحمل نفس الاسم، والتي تعد المحافظة الثالثة في بلجيكا مع عدد سكان اجمالي يقترب من مليون و100 الف نسمة.
كما نجد انها ارتبطت تاريخيا بعلاقات صداقة وطيدة مع فرنسا ، وتأثرت بالثورة الفرنسية عام 1789 ، وكانت اول مدينة اجنبية تحظى بوسام جوقة الشرف الفرنسي الرفيع ، لدرجة ان بعض الكتاب الفرنسين اطلق عليها لقب ” باريس الصغرى ”
على الصعيد العلمي ، تملك ليح جامعة عريقة و المرتبطة بالعديد من الدارس العليا وهي الجامعة التي تسجل على صفحتها انها منحت الرئيس ياسر عرفات و رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز ، في 25 أيلول 1998 الدكتوراة الفخرية ، والتي وصفها الرئيس عرفات في خطابه انها رسالة من الجامعة للشعب الفلسطيني و دعم نضاله من اجل الحرية و السلام .
اما على الصعيد الاقتصادي ، فتملك المدينة مطارا، مخصص اكثر لنقل البضائع، وميناءا نهريا وثلاثة محطات قطار ، وهي وضواحيها تمتلك اهم المصانع في بلجيكا المتخصصة في صناعة قطع الطيارات والسلاح البلجيكي المشهور عالميا .
وعودة الى العلاقة مع فلسطين ، فقد بدأت العلاقة بين البلديتين عندما صوت المجلس البلدي لمدينة ليح في 29 نيسان 2013 على قرار يؤيد قيام شراكة مع رام الله في ثلاثة مجالات: الشباب ، الثقافة والتعليم ، وقد سبق هذا تصويت زيارة سفير فلسطين آنذاك السيدة ليلى شهيد ورئيس بادية رام الله آنذاك المهندس موسى حديد ، وتبع هذا اللقاء اجتماع عقد بين رؤساء البلديتين وطواقم العمل في منتدى السلطات المحلية الأوروبية والفلسطينية المنعقد نفس العام في مدينة دنكرك الفرنسية .
نتج عن هذه اللقاءات توقيع ميثاق تعاون بين البلديتين في 22 نوفمبر 2014 في رام الله وذلك على هامش انعقاد منتدى السلطات المحلية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. وقد زار وفد ليج مدينة رام الله وتم الاتفاق مع بلدية رام الله على العمل على ثلاثة محاور أولها الثقافة مع تركيز على تعزيز انتشار اللغة الفرنسية، ثانيها توطيد التعاون في مجال التعاون الإلكتروني ووسائل الاتصال وثالثها التعاون في مجال البيئة والطاقة المتجددة .
وقد استعانت مدينة ليج بخبرة الشركات البلجيكية في مدينة ليج لتقديم النصيحة في المجال التقني ، كما شكلت لجنة تحمل اسم ليج – رام الله ، اشركت بها عدد من مؤسسات المجتمع المدني المهتمة في فلسطين ، وقد قاد كل ذلك انضمام ليج الى ” شبكة السلطات المحلية البلجيكية من اجل فلسطين ” والتي تأسست في 29 نوفمبر2017 ، وكان لليج الرئاسة المشتركة للشبكة مع مدينة تورنية ، وذلك بشخص، عضو المجلس البلدي و النائبة السابقة في البرلمان الأوربي السيدة فيرونيك دوكيزر ، والتي منحها الرئيس محمود عباس المواطنة الفخرية الفلسطينية في فبراير 2015 في بروكسل .
وفي صيف 2015 توجهت السيدة فيرونيك دوكيزر الى فلسطين ، يرافقها المستشار في سفارة فلسطين في بلجيكا حسان البلعاوي حيث التقت بداية مع رئيس اتحاد البلديات الفلسطينية الراحل غسان الشكعة والذي كان ابضا رئيس بلدية نابلس ، كما عقدت اجتماعات مع رئيس بلدية رام الله المهندس موسى حديد والطاقم المعني في البلدية في موضوع التوأمة ، نتج عنها تحديد محاور التعاون في المحالات التالية : اضاءة المدينة القديمة لرام الله ـ، دعم الاهتمام بالتراث ، تخفيض استهلاك الطاقة و الاهتمام بالتنمية المستدامة على ان تبلغ المدة الزمنية للمشروع 3 سنوات ويشارك فية عدد من مؤسسات المجتمع المدني بين البلدين منها مركز رواق في فلسطين ومؤسسة التراث في اقليم والوني بلجيكا .
اختارت البلديتين ذكرى يوم الأرض لإطلاق التوأمة بتنظيم 12 يوم عن الثقافة الفلسطينية في مدينة ليج وذلك ابتداء من 19 مارس 2016 ، وقد اعطى إشارة الانطلاق لهذا الحدث رئيس بلدية رام الله موسى حديد ونطيره البلجيكي ويلي ديمير و سفير فلسطين في بلجيكا عبد الرحيم الفرا ، وتعاونت بلدية ليج وسفارة فلسطين و حركة التضامن مع فلسطين والجالية الفلسطينية في ليج لإنجاز هذه التظاهرة المميزة والتي شملت امسيات خاصة بالسينما، والمسرح ،الفن التشكيلي للفنان الفلسطيني الراحل ميشيل نجار ، عرض ازياء فلسطينية ومأكولات شعبية و أمسية الختام كانت في المركز الثقافي لبلدية ليج Miroir ، مساء الاربعاء 30 اذار، بندوة بعنوان ” دور الثقافة في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ” قدمها كل من مستشار حسان البلعاوي في بعثة فلسطين في بروكسيل ، السيدة فيرونيك دوكيزر رئيس شبكة المدن البلجيكية لصالح فلسطين و عالم الاثار البلجيكي جاك بيرلي مسؤول التعاون الفلسطيني البلجيكي في مجال الاثار وتنفيذ المشاريع البلجيكية الخاصة بترميم عدد من المواقع الاثرية في فلسطين ، بالتعاون مع مؤسسة رواق .
وبعد عام تقريبا في 9 اذار 2017، نظمت بلدية ليج وبالتعاون مع سفارة فلسطين وحركة التضامن ، مهرجانا ثقافيا تم تخصيصه هذا العام للسينما الخاصة بالقضية الفلسطينية،
وتوالت على مدار السنوات التالية زيارات مشتركة بين البلديتين لتجسيد العلاقة المميزة بين الشعبين في العديد من المجالات.
حسان بلعاوي