مقالات

نقاش تنويري حول ،، فحوى و أهمية ،، المناقشات الأكاديمية

#الشبكة_مباشر_د كاظم المقدادي

الى زميلي وصديقي أ د كامل القيم ..

انا معك عندما تنتصر للطالبة زهراء فيصل هاشم السعيد في موضوعها الموسوم ( صناعة الحلويات والمعجنات في محافظة كربلاء المقدسة – دراسة في جغرافية الصناعة) تقديرا لاشتغالها في حقل معرفي علمي ، يفترض انه جديد ومفيد ، في ابواب حقول المعرفة في ” ظاهرة ” حلوانية تتعلق بجغرافية الصناعة.

ولاني لم اقرأ اصلا محتوى ومضامين الرسالة الموسومة ، ولم اكن في لجنة المناقشة ،، لكن من حقي كأستاذ جامعي ان يكون له نصيب الملاحظة ، وهي من ادوات البحث العلمي ونظرياته وانساقه وتمفصلاته.

مداخلتي هنا ، ليست حالة وسطية ، انما يمكن ان تجد لها فسحة علمية بين جبهات المعترضين الساخطين ، وجبهة المؤيدين المتحمسين .

اسجل هنا ملاحظاتي ، لأننا للأسف ، حتى في نقاشتنا العلمية لا نستقر على رأي ، ولا يهدأ لنا بال ، ولا نتوقف عند حال ،، ، فكل واحد منا على استعداد لشحذ ادواته التسقيطية ، او عرض عضلاته التهديدية ، ولم تغب ابدا عن ذاكرتنا الجمعية ،، لا حرب البسوس ، ولا معارك شيخ التيوس .
ما كان يجدر بك يا زميلي ،، ان تكتب وبهذه الحماسة الفائضة ، لتنتفض مستنفرا ، ورافضا الاصوات المعترضة والمستهزئة ،، وانت تعرف ان كل شيء في العراق بات عرضة للانتقاد و الاستهزاء والتعرية والأستخفاف والسخرية ، بفعل فقدان القدوة الأنموذج ، وبفعل فرسان المنصات والمدونات ، ومواقع التواصل الأجتماعي ، التي نصبت نفسها ، كشيخ الحارة ، او كحارس للبوابة .

الحماسة الفائضة هذه ، كانت من تصيبك ، ونصيب السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي دخل على خط السجال ، فهرع مسرعا لارسال برقية التأييد للطالبة زهراء ، لاسكات من لم يسكت !!

وظلت المسكينة ،، في حرج ومرج من امرها ، بعد ان كانت تنتظر التهاني من الجميع ،، لكن حظها العاثر اوقعها في غياهب ولجة السجالات ، بالأسم والتوقيع .

اعتقد ان كل دراسة ، ستظل خاضعة للمناقشة العلمية الجادة ،، من العنوان الى وجود البرهان . وعلى لجنة المناقشة ان ترتهن للمقاييس العلمية ، ومن حقها ان تمنح ، او لا تمنح الشهادة ، وهذا شأنها .

لكن الثابت ان الرسائل والاطاريح العلمية الرصينة رفيعة المستوى سوف تجد طريقها للنشر والافادة ، وستكون مصدرا مهما لمن يبحث في صلابة وجزالة الموضوع ، كدراسة نوعية .. او ستهمل الدراسة على رفوف المكتبات الجامعية ، لا يقلبها احد ، ولا يشير اليها احد .
و هنا لست بصدد تقييم رسالة الطالبة زهراء ،، فلها شرف المحاولة ، ان كانت حقا جاءتنا بشيء جديد ، وان الظاهرة التي رصدتها تستحق الدراسة والتأكيد ، والتعب والعناء ،، لان العلم بالنهاية كفيل ( بالتقاط الظواهر وتفسيرها ) ،، والظاهرة بكل اشكالها والوانها وانساقها وتفرعاتها ، لابد وان تخضع لصرامة التحليل ، وفق منهج علمي حازم ، لا يقبل التأويل .

ان تعريف الظاهرة ،، كما تطلعنا المصادر العلمية انها : لفظ يطلق على اي حدث يمكن مراقبته ، اما في الاستخدامات العامة ، فأن الظاهرة كثيرا ما تشير الى شيء غير عادي .
هذا اذا سلمنا جدلا ، بأن ظاهرة الحلاوة الكربلائية ، ظاهرة اقتصادية ، لها ما تستحق من الدراسة والتأصيل .

وفي التفسير العلمي الامثل فأن الظاهرة : هي اي حدث يمكن ملاحظته و مراقبته ورصده ، بعد توزيع حقول الاستبانة ، وتجميع البيانات .

والسؤال : هل ان صناعة الحلويات هي ظاهرة ام هي حالة توطدت ونمت في الاسواق والبيوت ضمن حالات الاستهلاك البشري ، غير الاستثماري ،، وهذا ايضا لا يشكل لنا مشكلة حقيقية ،، وهذا يفرض علينا تفكيكها وسبر اغوارها ، ثم الخروج باستنتاجات باهتة !!

واذكرك يا زميلي ،، انك تناولت وبعلمية معهودة ، في كتابك المهم ( مناهج وأساليب كتابة البحث العلمي في الدراسات الانسانية ) موضوع يتعلق بمشكلة البحث ، وهو الموضوع الأهم الذي يجب ان ينتبه اليه الباحث بدقة تامة ،، كما اشرت انت ،، عن سوء التقدير في الاحساس العلمي بالمشكلة ، الذي من شأنه وقوع الباحث في مزالق تؤدي لضياع جهوده ، وانعدام الافادة منها .

واراك هنا متناغما مع ما كتبه عالم الاتصال والانثربولوجيا “جون دووي” في موضوع مشكلة البحث الذي قال :

” ان المشكلة تأتي من الشعور بعائق ، او صعوبة ، او شيء ما ، يحير الباحث ويقلقه.

واظن ان اي مشكلة من هذه التي ثبتها البروفسور دووي ، لم تواجه الباحثة زهراء ابدا ، لأن صناعة الحلويات والمعجنات ، ونسبة الدهون فيها ، اصبحت معروفة حتى من قبل ربات البيوت ،، كما ان الحلوى في كربلاء ليست جديدة ، فهي قد اكتسبت حالة الثبات والرضا من جمهور المستهلكين .

كما اني ارى ايضا ،، ان هذا النوع من الدراسات ، لا يحتاج الى دراسات اكاديمية ، ولجان مناقشة ، بقدر حاجته ، الى تحقيقات صحافية استقصائية لتسليط الضوء على صناعة الحلويات في مدينة كربلاء .

الغريب ،، ان المناقشة جرت في كلية الآداب – قسم الجغرافية ، وليس في كلية الادارة والاقتصاد ، او كلية اخرى لها علاقة بجغرافيات الصناعة .. فلا يجوز اقحام علم الجغرافية الذي يهتم بالمدن والبلدن ، والبحار والخلجان والتغيرات والتقلبات المناخية ، بجغرافية صناعة الحلويات !!

الا ترى با زميلي القيم ،، ان ذلك يشكل اساءة للبحوث العلمية الرصينة ، التي تحترم الاختصاصات ،، ومنها الاختصاص الدقيق الذي كثيرا ما نبهنا على الأخد به ، في مراحل تدريسنا لطلبة الدراسات العليا .

و في وصفك لموضوع زهراء ، بأنه ظاهرة ، فالظواهر موجودة ومؤكدة ، وقياساتها تدلنا عليها الطبيعة ،، تتمثل بظهور وضمور قوس قزح ، او ظاهرة الرعد والبرق .
ان تعريفنا للظاهرة كثيرا ما يأخذ ابعاد وانساق خاطئة ، فالظاهرة لها اسبابها ، ومسبباتها الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية .

واظن .. وليس كل الظن إثم ،، ان صناعة الحلويات والمعجنات لم تعد ظاهرة لكي نجهد انفسنا لفك اسرارها ، بل هي تشكل حالة استهلاكية متواترة ، ترسخت للاستهلاك ، وللهدايا بين الطبقات الشعبية ، وغير الشعبية ، على الرغم من مخاطرها الصحية مازلت قائمة ، عند الذين يعانون من السمنة ومرض السكر ، ثم انها ظلت بحدودها الاستهلاكية ولم تشكل للاقتصاد الوطني اية موارد تذكر ، من شأنه المساهمة بانعاش الاستثمار الوطني وخلق فرص للعمل ، الا في حالات محدودة .

لقد بررت بقصدية بينة ،، اهمية هكذا دراسات لأنها كما تقول ( افضل واجدى من عشرات شهادات الثرد والتناص والنقل والسرقات ، التي ابتلت بها المنصات العلمية الوافدة ، والمحلية ، واستغرب من ادوات منطقها العلمي ، وارفض حتى التعامل معها ، لانها تسميم معرفي وردت الينا من جامعات اقليمية) .

هنا اتفق معك في الشطر الثاني جملة وتفصيلا مع وجود مثل هذه البشاعة التي ذكرتها ،، من امية التعليم ، وفوضى الدراسات ، ونظام التفاهة ،، الذي اجتاح معظم جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا الرسمية والاهلية ،، لكن هذا لا يبرر ابدا قبول رسائل ماجستير واطاريح دكتوراه ، تتناول موضوعات في واد غير ذي زرع ، وسط بيئة اكاديمية هزيلة شهدتها وتشهدها معظم جامعات وكليات العراق ،، وهو مؤشر مؤلم كشفته التصنيفات العلمية الدولية ، في تقييم و فرز ارقى الجامعات في تقديم البحوث العلمية الرصينة في العالم .. وكان نصيب العلم في العراق ،، انه خرج من تقييمات الجامعات في العالم ، التي التزمت بمعايير الجودة والبحوث المبتكرة والمهمة .

شكرا لك ،، زميلي الباحث والاستاذ القدير ، واحسب ان الود القائم بيننا سيظل ، طالما هناك من يحرص على سمعة العراق العلمية في الداخل والخارج ، ولا يكيل بمكيالين ،، لأن مباديء العلم ، لا تقبل القسمة على اثنين / مع كل الود والتقدير ،،،

د كاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى