أخبار العائلة العربية في المهجرالاخبارتكنولوجيادولي

في يوم ولادته:”أحمد زويل هو رمز العالم الجاد و المثقف و الحكيم، العالم النجم الذي صنع نفسه و لم يصنعه الآخرون”

#الشبكة_مباشر_طنطا_أ.د. محمد لبيب سالم أستاذ علم المناعة بكلية العلوم

في مثل هذا اليوم الموافق 26 فبراير 1946 ولد العالم الكبير د. أحمد زويل ليعيش حياة علمية متميزة قبل ان يرحل في 2 أغسطس 2016 بعد أن ترك للبشرية إرثا علميا كبيرا ، وبعد أن ترك بصمات عقلية وروحانية عديدة في العالم العربي عامة والمصري خاصة.

وما تركه أحمد زويل من إرث علمي هو أغني وأشمل من الإرث المادي خاصة لو كان الإرث ناتجا عن إكتشافات علمية غير مسبوقة في فهم وتفسير الظواهر الطبيعية التي عجز العلم في الأحقاب الماضية أن يكشف عنها النقاب. إكتشافات علمية ذات أهمية فريدة إن لم تنفع البشرية الآن فمؤكد سوف تنفعها في المستقبل القريب والبعيد.

حصل هذا العالم الفذ علي جائزة نوبل في علم الكيمياء عام ١٩٩٩، الجائزة التي جاءت في وقتها حينئذ لتمثل أعلي جائزة حصل عليها، ولتتوج أعماله العلمية المتفردة في اكتشاف الفيمتو ثانية، والذي بسببه أسس لعلم جديد في الكيمياء يسمي الفيمتوكيميستري. ومن الممكن بهذا الإكتشاف الغوص في أعماق المادة سواء كانت جامدة أو حية لمعرفة تفاصيل الأحداث السريعة التي تحدث داخلنا وداخل النبات والحيوان والذرات. نستطيع بها أن نصمم صناعات وأدوية جديدة وطرق تشخيص غير مسبوقة.

أحمد زويل هو رمز العالم الجاد والمثقف والحكيم، العالم النجم الذي صنع نفسه ولم يصنعه الآخرون. العالم الذي بدأ صبيا في العلم مثله مثل الآلاف المؤلفة من صغار الباحثين في بلادهم ممن يشتغلون بالبحث العلمي ويبحثون عن الفرص الضائعة. ولكنه كان مختلفا وبحث عن الفرصة بطريقته فلم تضيع منه بل انتظرت صبره وجلده وتفوقه في بلاد الغربة بعد أن ترك الوطن قليل الحيلة يبحث عن العلم خارج حدود الوطن.

أحمد زويل هو رمز للعناء العلمي الذي يتفوق علي نفسه. فهو من أسرة بسيطة من دلتا مصر التحق بجامعة عريقة وهي جامعة الإسكندرية وأختار كلية صعبة المراس هي كلية العلوم وانضم إلي قسم من أصعب الأقسام وهو قسم الكيمياء. وتفوق ونال الفرصة ليشتغل بالبحث العلمي، وحاول وحاول مثله كمثل باقي زملائه من صغار الباحثين أن ينجح هناك ولكن كانت أمواج الصعاب عالية وشديدة.
ولأن فكره مختلف وسقف طموحه أعلي ورؤيته أوسع، قرر أن يسلك طريقا مختلفا وأيضاً الأصعب. قرر أن يغادر الزمان والمكان ويهاجر ليحط علي شواطئ بلاد العلم والاكتشافات، شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية فكانت بداية الفوران العلمي والطاحونة الكيميائية التي أطلقها في سماء عقله لتحرث أساسيات الكيمياء وتُخرج منها حبوب العلم التي نثرها في كل مكان ليزرع حقول المعرفة بزروع أينعت وأثمرت وتجددت ليقتطف منها الكبار والصغار معلومات لم يعرفونها من قبل.

ولأني عملت أستاذا لعشرة أعوام بالولايات المتحدة الأمريكية، فأنا أعلم تماماً كيف يكون نجاح العالم عل وجه العموم والعالم الأجنبي مثل أحمد زويل علي وجه الخصوص حتي يصل إلي درجة عالية من العلم المتفرد هذه التي أخذته إلي سماء جائزة متفردة مثل جائزة نوبل وما سبقها من جوائز عديدة مثل جائزة الملك فيصل.

فمع أن الفرص متاحة سواسية للجميع إلا أن التسابق والتنافس العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية علي أشده مما يجعل التفرد تحديا كبيرا بين المتميزين. فلا هناك مجال للجدل أو التملق أو الرسميات أو الروتين. ولا هناك مكانا للوساطة ولا الإزدواجية أو الإنعزالية أو السفسطائية. هناك فقط مكانا للتنافس والإبداع والتميز والتفرد. وهكذا كانت الأرض هناك خصبة لأحمد زويل الذي كافح ونافس وتميز وتفرد وظهرت جيناته الفرعونية لتعبر عن نفسها وبقوة بين ملايين الجينومات البشرية بأمريكا.

وإمتنانا منه لمصرتيه ولأهل وطنه، لم يبخل زويل بعلمه وخبراته وحنكته وعلاقاته. وبعد معاناة وصبر تغلب زويل عل كل التحديات وأنشأ ما كنا نتطلع إليه في مصر، أنشأ مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لتكون ثاني مدينة علمية في مصر بعد مدينة الأبحاث العلمية ببرج العرب بالإسكندرية وأول مدينة علمية تبني بالتبرعات وتعتمد علي أسلوب متفرد في تعيين الباحثين فيها والإدارة العلمية. ثم اتبع ذلك بإنشاء جامعة زويل والتي بالفعل فتحت ذراعيها لكل أبناء مصر المتفوقين ليلتحقوا بها بدعم ومنح كاملة. ومازالت الإنشاءات مستمرة وقائمة ومتجددة وبدأت النجاحات العلمية تنطلق للأفق وننتظر المزيد والمزيد في القريب.

ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث يتعلق الشباب بعالم مصري، شباب من مختلف الأعمار ومن مختلف التخصصات ومن مختلف الدرجات العلمية. شباب أحب أحمد زويل وتعلق بإسمه وروحه وإنجازاته وتمسك بحقه في الأمل ولو طال أمد تحقيقه. شباب أعلن عن حبه وتعلقه بأحمد زويل من خلال تدشين جمعية أصدقاء أحمد زويل بمصر والتي دشنت لها فروعا بكل محافظات مصر. وبالفعل كانوا أصدقاء زويل علي أرض مصر من الصعيد للدلتا بما فعلوه من مؤتمرات وورش عمل وندوات وكورسات ومسابقات تدار فقط بالشباب. وقد أحدثت هذه الأنشطة الزويلية حراكا علميا منقطع النظير وسط الشباب من الإعدادية إلي الجامعة. حراكا أبعد الشباب عن اللهو وعن السطحية فأصّل للمرجعية العلمية.

وتصادف فور عودتي من أمريكا، أن يتم دعوتي من قبل جمعية أصدقاء مدينة زويل بالغربية. ولإعجابي الشديد بالفكرة، خاصة أن من ورائها شباب معظمهم في المرحلة الجامعية ومتحمسين جدا للمعرفة والثقافة العلمية والتدريب علي أساسيات وأصول البحث العلمي، فقد سارعت علي الفور بالموافقة. وقد كان وشاركت بأكثر من محاضرة في أكثر من مدينة، وشجعني علي الاستمرار الحماس الذي رأيته في عيون الشباب وحرصهم علي الحضور بأعداد كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلي ٧٠٠ مشارك من مراحل دراسية مختلفة. وقد شجعني أيضا التواصل الذي حرص عليه الكثير من الطلاب معي بصفة شخصية وحرصهم علي العلم. حتي أني عبرت عن ذلك في مقال قمت بنشره عن مستقبل البحث العلمي في مصر، فوصفت ما يجري آنذاك بأنها “الثورة العلمية الثالثة بمصر”

وقد دفعني ذلك دفعا أن أفكر بجدية في التواصل مع الأساتذة في مدينة زويل للتعاون العلمي بين مركز التميز لأبحاث السرطان الذي كنت قد أنشأته في ٢٠١٣ ومدينة زويل. وبالفعل تم ترتيب لزيارة لفريقي البحثي للمدينة حيث تم الاتفاق المبدئي علي التعاون في البحث العلمي. وتلا ذلك دعوتي لإلقاء محاضرات عامة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس في المدينة.

ومرت الأعوام في العمل الدؤوب بمركز التميز لأبحاث السرطان لأفاجئ أن بعض من طلابي الذين تدربوا في المركز ينتقلون للعمل في مدينة زويل كباحثين، مما أسعدني كثيرا وأعطي سمعة علمية طيبة للمركز. ثم كان الشرف الأكبر الذي غمرني بالسعادة هو اصدار قرار دولة رئيس الوزراء في اختياري عضوا في مجلس ادارة المدينة لمدة ٤ سنوات بدءا من 2020 والتي كان يرأسها الأستاذ الدكتور شريف صدقي ثم حاليا الأستاذ الدكتور محمود عبد ربه. وهكذا تحول تطوعي في انشطتي العلمية لصالح المدينة ومريديها فور عودتي من أمريكا إلي تعييني عضوا في مجلس الإدارة، وكأن القدر يكافئني علي اخلاصي لهذا الصرح الكبير حتي وإن لم أكن أعمل به. ومازلت اعتبر ذلك وساما رفيعا علي صدري.

وهكذا أصبح أحمد زويل بطلا علميا في مصر وروحا عالية تشد الهمم. وإن مات أحمد زويل فأعماله لا تموت بل هي صدقات جارية سوف تربوا وتنموا ليقتطف منها المصريين الذين هو منهم حتي وإن كان قد قضي معظم حياته في أمريكا فقد كانت بوصلة فؤاده وعقله موجه دائماً نحو مسقط رأسه وعلمه مصر. وليس أدل من حبه لمصر من وصيته في دفنه في تراب أرض مصر الذي نشأ فيها وترعرع ليبعث منها للخالق.

رحم الله العالم المصري الكبير أحمد زويل والذي لن ترحل أعماله أبدا بل ستظل باقية مباركة ومحفوظة علي مر العصور بفضل الله وبفضل مدرسته التي أنشأها في مصر وبفضل محبيه ومريديه وتابعيه الذين هم علي درب العلم الزويلي سائرين.

أ.د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة بكلية العلوم
جامعة طنطا – مصر
عضو مجلس ادارة مدينة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى