كلمة العددمقالات

الوطن .. ليس الحكومة

#الشبكة_مباشر_بغداد_أ د.كاظم المقدادي

قبل يومين قمت بعمل فيديو لزقاق القشلة ، ونشرته على صفحتي الألكترونية ، فأثنيت على جهود امانة بغداد ورابطة المصارف العراقية .
استوقفني تعليق لأحد الأصدقاء ، الذي تعجب مني ، لاني كتبت عن حالة اعمار بأعجاب ،، لأنه لايريد ان نكتب عن جهد حكومي بأيجاب !!

اقول ،، من حقنا ان ننقد كل الظواهر السلبية ،، من نقص في الكهرباء والماء ، إلى كثرة النفايات في بغداد وحتى في كربلاء.
لكن من حقنا ايضا ، وحق القراء علينا ، ان نكتب عن ظواهر ايجابية ، مثلما نكتب دائما بألم وقلق عن الظواهر السلبية .

لابد من القول ،، ان حركة اعمار تجري بوتيرة سريعة ، قد تكون متأخرة ومرتبكة جدا ، وقد تكون ليست بالمستوى المطلوب ، لان العراق يحتاج إلى خطة انفجارية تخلصنا من كل ما هو معطوب ، من اجل اللحاق بالدول المجاورة .وليس قطعا بالدول المتقدمة .

لكن هذا الذي نراه من حركة الإعمار ، ومحاولة جعل بغداد مدينة قابلة للعيش ، قريبة من المواطنين ، بعيدة من الميلشيات لمئات السنين ، قريبة من المجتمع المدني ، بعيدة عن عسكرة المجتمع .
اقول هذا الذي نشهده ، يبشر بخير على الرغم من انه ،، لا يخرج من كونه عمل يتحرك بأمكانية امانة بغداد ،، وليس بأمكانات دولة غنية مثل العراق بلد الحضارات والأجداد .

اعود واقول ،، هناك فرق بين الدولة والحكومة ، وحكومات انت أصلا كارهها ولا تطيقها ، ان عملت وان تقاعست .

هناك ايضا ،، فرق بين الحكومة والوطن – فانا عندما كتبت عن زقاق القشلة وقبلها عن شارع المتنبي ، كنت اكتب للوطن ، وطن الجميع ، وليس وطن احزاب السلطة الفاسدة ، وليس وطن دكتاتورية الاغلبية الطائفية المستبدة .

العراق وعلى مر العصور ،، كان وسيبقى غايتنا ، ونهضته أملنا ، والوطن يجب ان لايختزل بشخص ومهما بلغ من القوة والهيمنة ، والتسلط على البلاد والعباد.
الوطن يا سادتي ،، لا يختزل بالملك المفدى ، ولا بالزعيم الأوحد ، و لا بالقائد الضرورة .

ومن المناسب هنا العودة إلى المقال المهم الذي كتبه الصحافي البريطاني المعروف “روبرت فيسك” قبل موته ،، فما قاله قريب من المقدمة التي بدأت بها ، وما ذهبت إليه من اشارات تتعلق
بمفهوم الـحـكـومـة و مفهوم الـوطـن .

كان “روبـرت فـيـسـك ” من أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين لهم فراسة في طباع العرب جيِّداً .

عاش في بلاد العرب ثلاثين عاماً وقد سكن مدة زمنية في مدينه بيروت .. كان يراسل جريدة الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط ، وكان من الصحفيين الغربيين القلائل، الذين ناهضوا وانتقدوا السياسة الأمريكية ، وحتى البريطانية في الشرق الاوسط ، الذي انعته دائما ب ( الشرق الاوسخ) .

يقول روبـرت فـيـسـك :
” أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة ، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك .. السببُ أنَّ العرب يشعرون أنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم .هل فعلاً شوارعنا متسخة وعفنة.. لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ أوطاننا ..!!
وعلل ان هذا يرجع لسببين الأوَّل :

أنَّهم يخلطون بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة ، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها .. الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد ..

لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن .. والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن ..!!.. وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا .

ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا و أنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها إبني وإبنكَ، وبالمستشفى التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتكَ، الأشياء ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها ..نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً .

الثَّاني :
أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًَّة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني إنفصاماً ما .. فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام .. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة .. والأبُّ الذي يريد من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره .. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام .

خلاصة القول :
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن .. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل .. ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها ..

لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن ..

وصدق القائل : الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة .
شارك في التعميم بقدر حبِّك للوطن .. ومهما كان حبُّك أو كرهك للحكومة ..

مقال روبرت فيسك منقول من المصدر /ثقافة عالمية .

انتهى

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى