أدب وفن

ألماني في جمارك أبي غريب … د. حاتم التكريتي

#الشبكة_مباشر_الخرطوم

في منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي …وبعد قرار تأميم شركات النفط العاملة في العراق …بدأت تتدفق العائدات المالية الكبيرة الى الخزينة العراقية اﻻمر الذي فتح اﻻبواب واسعة أمام

الجهات الحكومية في تلك الفترة …للشروع بتنفيذ خطة تنموية عمرانية شاملة على مستوى البلد وفي كافة المجالات وسميت حينها بالخطة اﻻنفجارية وبدأت وفود الشركات اﻻجنبية تتهافت على

العاصمة بغداد للفوز بعقود البناء والتجهيز …وبدأت شركات النقل البري بنقل مختلف البضائع واﻻجهزة والمعدات الموردة الى البلد الناهض …وكان أحد تلك العقود لشركة المانية قامت باستاجار

الشاحنات الﻻزمة لنقل الحموﻻت من ألمانيا إلى بغداد …لكن واحد من سواقي تلك الشاحنات كان متردد في قبول القيام بالرحلة …متحسبا من التأخير في تفريغ الحمولة في المحطة المقصودة

…لكن المسؤولين اخبروه … لن يستغرق التفريغ أكثر من ثلاثة أيام …الوعد الذي جعله يوافق ويباشر بتحضير حاجاته وبعض اﻻطعمة المعلبة والمشروبات وقطعة سﻻح …مسدس براندنيو لم يجرب

سابقاً ولو برصاصة واحدة فوق رأس العريس في زفة عرس ﻻحد اﻻصحاب او في دكة عشائرية بين المشاهدة فخذ البو مفرج والكواسر فخذ الصوالح …ولو في هوشة وﻻ طعينه …ويجهز شاحنته

للرحلة الطويلة الى بﻻد مابين النهرين ومدينة ألف ليلة وليلة وعلي بابا واﻻربعين حرامي … ويتصل برفيقته الشقراء يدعوها لكي ترافقه في تلك الرحلة الحالمة وتكون له أنيسا يخفف وحشة

الطريق ويسجﻻ في صفحات الذكريات الرحلة اﻻكثر غرابة من بين رحﻻتهم السابقة على الطرق السريعة في أرجاء اوربا المترامية … جلس الرجل خلف المقود ودار المحرك المقتدر وباشرت العجﻻت

تلتهم اﻻمتار على طريق الرحلة … يستدير ويلف بشاحنته المقطورة ليأخذ اﻻتجاه المﻻحي المثبت في الخريطة المنشورة على سيقان رفيقته التي جاورته في المقصورة الفارهة …ترتدي قميص

خفيف وبنطال شورت ﻻتزيد قطعة قماشه على ربع ذراع …وتصوب له بين الحين واﻻخر نحو اﻻتجاهات المطلوبة للرحلة …التي قد تدوم أربعة إلى خمسة أيام يستريحون خﻻلها في محطات فندقية

مؤشرة على الخريطة … ثم يواصﻻ الرحلة حتى بلغا المحطة المقصودة في قرية ابي غريب غرب بغداد متفائلين بالعودة بعد يومين او ثلاث كما قيل له في مكتب الشركة ….لكن وعند اﻻقتراب من

مكان مبنى الجمارك وجد بحرا من الشاحنات تنتظر تفريغ حموﻻتها …أوقف الشاحنة في مكان قريب وترك المحرك في حالة اشتغال… وطلب من رفيقته البقاء في المقصورة …وتوجه نحو مبنى

اﻻدارة …ليتكلم مع الموظف المسؤول …قائﻻ في مكتب الشركة اخبروني أن التفريغ لن يتأخر أكثر من ثلاثة ايام …لكن الموظف رد عليه بتهكم وانزعاج واضحين : …بعد شهر ما يجي دورك

…هسه واصل يريد تفريغ …روح اكعد بالشاحنة وانتظر … ماكان من سائق الشاحنة اﻻ ان استدار بوجهه وعاد الى شاحنته …طلب من رفيقته ان تهبط من المقصورة وسلمها ما حمل في جيبه من

مبلغ مالي وطلب منها ان تذهب الى السفارة اﻻلمانية في بغداد …استل سﻻحه وليجربه برصاصة واحدة ولكن في رأسه ويموت منتحرا على بوابة مبنى الجمارك … …ياللبطولة ..!!!

ولكن لو كان دمه قد غير واقع لكنت ترحمت على روحه ودعوت الباري عز وجل ان يغفر له ويدخله جنات النعيم …حيث ﻻتوجد شاحنات مقطورة وﻻ حموﻻت تنقل إلى بلدان تعبانة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى