
بعد ايام قليلة .. امضيتها في اسطنبول .. مدينة المليار زهرة وشجرة ، وحديقة ، ومتنزه ، حيث لا ترى فيها مساحة غير مزروعة ، ولا ارضا متروكة .. وصلت الى مطار بغداد .. وانا في حيرة من امري وسط
هذا الكم الهائل والمرعب من الغبار ، وكأن السماء باتت تمطر علينا غبارا .. بدلا من الماء .
ما لهذه السماء غاضبة مكفهرة .. وهي تتلون بألوان الغبار .. و من يوم مغبر ، الى يوم اخر اكثر غبارا .. تنعدم معه مستويات الرؤية ، ويتحسس المصابون بالربو ، صعوبة في التنفس ، ومرارة في التوجس .
قبل وصولي مطار بغداد بساعات .. وصلتني صورة لبغداد بلون برتقالي .. وكأن غبار الكون كله انتفض مرة واحدة .. وهاج ، وماج على قدم وساق .. ليتحرك نحو حدود العراق .
با لخيبة اللون البرتقالي وهو يلون ” ارض السواد ” والبساتين الخضراء .. بلون تراب المقابر والاماكن النائية والمنسية من البيئة العراقية .
ظاهرة الغبار المتراكم ، والمتلاحق في مناخ العراق .. تستحق التوقف والتأمل والدراسة ، و لتكون شغلنا الشاغل .. بعيدا عن الاغلبية ( الغبارية) والاطارات الترابية .
البيئة العراقية يا سادتي ..
يداهمها خطر مخيف ، يرصده كل ذي عقل حصيف .. فهي ومنذ سنين ، وبعد ان زادت فيها بشكل مريع مساحات التصحر ، بفعل مخلفات الحروب والاهمال ، وغياب ثقافة الزراعة ، ونقص متسارع وخطير
في الموارد المائية القادمة من تركيا وايران .. فلا وزارة الموارد المائية صدقت في عهودها ، ولا وزارة الزراعة حركت كوادرها بقوة من اجل غرس الملايين من اشجارها .. اما مزاج الفلاح العراقي ، فقد
انتهى الى حالة من التبطر ، فلا هدف له سوى تقليد ابن المدينة ، في بناء بيته وفي لبسه ونوع سيارته ، و الانخراط في الاجهزة الامنية صارت امنيته ، ومنهم من انخرط في متاهات السياسة وحمل
السلاح ، بدلا من حمل المنجل رمز الفلاح .
ها هي البيئة العراقية امامنا .. موحشة مؤلمة تدق اليوم طبول الخطر ، برعب وحذر .. بحيرة ساوة وصلت الى مرحلة الجفاف .. وكأن البداوة والتصحر ظلت علامة فارقة في حياتنا ، لا زخات مطر ، ولا
هواء نقي ولا مستقر .
علينا ان نصرخ بوجه السفهاء منا ، من الذين تولوا امرنا شرا وغدرا وقسرا ، واقاموا لهم ” منطقة خضراء ” وتركونا في احياء و مدن ربما تكون يوما اقرب الى حياة الصحراء .
متى يستيقظ هؤلاء الرعاع ، الذين لا تسرهم رؤية مدينة خضراء .. ولا شجرة خضراء .. من الذين تدربوا على حمل السلاح .. وليس غرس شجرة على طريق الاصلاح .
مديرية الانواء الجوية .. نراها وهي تجهد بنشر بيانات ، التنكيت والتبكيت .. محاولة منها ، صب اللوم على مناخات بيئية ودول وقارات .. وهي تتحدث عن عواصف ترابية قادمة من بعيد ، وكأن اصل
المشكلة من المناطق الغربية ، او القارة الافريقية ، ونحن لم نسمع بعاصفة ترابية في تونس ، او الجزائر ، ولا حتى في السودان والصومال .. وهذا هروب عن اصل المشكلة .. متجاهلة اتساع رقعة
التصحر في العراق .. بسبب البناء على اراض زراعية ، بعد جرف البساتين ، والاهمال الواضح في ترك ملايين الدونمات من الاراضي دون زرع ، ولا ضرع .
فمتى ننتبه ونتحسس ، ونتوجس خطورة المشاكل البيئية ، ونتولى امرنا ، ونحد من ظاهرة التصحر ، والتبطر ، وهدر المياه .. ونزرع اكثر مما نقطع .
ارض السواد يا سادتي ..سينتهي بها المطاف ، الى ارض تصبح بلون الرماد .. لقلة الماء وقلة الزرع في ارجاء البلاد .
وربما ستختفي يوما مفردة بلاد مابين النهرين .. لتصبح بلاد ما بين الصحرائين ..
& د كاظم المقدادي