مقالات

ثقافة التخلف ،،، التخلفلوجيا

#الشبكة_مباشر_بغداد_د. نــمـيـر نـجـيـب نـعـوم

بدأ التخلف الذي عرفته البشرية قديما كظاهرة قد تكون وقتية او أنية تعمل بالنقيض من التطور والتحديث والتقدم والتنمية ، وهذا التخلف من المؤكد انه بدأ شخصيا اي سلوكيات فردية يتمسك بها الشخص لكي يكون متميزا عن بقية افراد مجتمعه ، ويبقى هذا السلوك يترافق مع الاشخاص الى ان يثبت المجتمع بانه سلوك غير مقبول ولايتم التعامل والتفاعل معه.

وبالرغم من كون التخلف بدأ منفردا وشخصيا الا ان العوامل الاجتماعية جعلت منه طريقة يختارها بعض الأشخاص ليكونوا متميزين بتخلفهم ، اي ان المتخلفين المتميزين في بعض المجتمعات يجدون من يناصرهم ويتبعهم ماداموا كلهم متفقين على عدم التحضر والتطور والتنمية. ان انعدام القدرة على التطور وانعدام الرغبة في التعامل مع المفردات والمعايير العلمية لغرض تحسين الواقع الاجتماعي هو بحد ذاته ثقافة يراد منها هدف واحد هو التظاهر بالتطور ولكنه يخفي في باطنه أسس مضرة بالمرتكزات الاقتصادية والسياسية ، وبهذا تكون الدولة بمؤسساتها هي هياكل مزيفة غير رصينة لايستفاد من مدخراتها وثرواتها سوى من يطعم المتخلفين بمزيد من الاوهام والخرافات التي يرغبونها ليزداد تخلفهم ويغضوا النظر عن الثروات التي هي من حقهم الشرعي.

وليس من جديد ان علم الاجتماع بحث كثيرا في مسببات التخلف وانفرد لدراسة طبيعة المجتمعات التي تعتمد على الأنظمة الطبقية الركيكة التي تلنزم بها بعض المجتمعات ،، وهل هناك دور للطبقة المثقفة الواعية ام يتم استبعادها لكي تتوارث الطبقات والتكتلات السياسية الحاكمة المغانم والمكتسبات ويكون لها الاولوية في توزيع الثروات على اتباعها بشتى الوسائل ليضمنوا مساندتهم للحكام تحت اي مسمى كان.

ان انتشار معايير التخلف اصبح لدينا ليس سلوكا شخصيا يمارسه البعض القليل بل اصبح ثقافة سلبية مبنية على ترسيخ تلك المعايير للأجيال القادمة لكي ينتشر الفقر وتزداد السرقات المليارية ويرتفع منسوب البطالة وتصل الاستيرادات الى نسبة فائقة ويقل التصنيع والزراعة والتصدير ،، كل هذا لايمكن ان يفعله المتسلطين دون وجود خطط مدروسة بعناية ،،انه ليس فعل تخلفي شخصي بل فعل منظم ومقصود تمارسه انظمة العمل داخل المجتمع . فما هو مبرر ان يتم التفاخر باعداد المدارس والكليات والجامعات وان اعداد الخريجين بمئات الالاف وما ان يتخرجون حتى تقوم الارصفة باحتضانهم تحت مبررات عدم وجود التخصيص المالي،،وماهو مبرر ان يمتلك البلد ثروات نفطية ومعدنية ومياه وجبال واراضي خصبة ،،وفي نفس الوقت تحتل البضائع المستوردة درجة الصدارة في اسواقه، اما المنظومة الكهربائية فانها تعاني من عمليات نصب واحتيال يعيش في اثرها الشعب نتيجة لضعف العيش الكريم ، وماهو مبرر ان يكون البلد غنيا وليس فيه مشروعات تنموية وفوق هذا يعاني من حبال المديونية التي تكبل رقبته .
النظم الأجتماعية التي تحكمها الولاءات السياسية والحزبية لابد لها ان تعمل ضمن اطار من التخلف ،،حيث ان مصلحة الوطن تكون دائما غائبة عن انظار المفكرين والعباقرة في شؤون التخلف وكيفية برمجته داخل مجتمعاتهم ،، وقد قالها رائد الأجتماع العراقي والمفكر الأول في دهاليزه ، علي الوردي ،،في محاضرة له في نهاية الثمانينات كنا معه فيها ، حيث قال ” ان البداوة والحضارة خطان متوازيان لايلتقيان ” قالها امام نخبة من المختصين والأكاديميين ، وقد ضجت القاعة بالتصفيق ،،

فالحضارة تسعى الى تطعيم افرادها بحبهم وولائهم لبلدهم اولا ،،وتأتي بعدها ولاءاتهم لمن ينتمون،، الحضارة ليست بعدد اجهزة الموبايل او السيارات التي يستخدمها الشعب ، بل بمن يستطيع ان يصنع ايا منها ويتباهى أمام العالم،،فعدد الاجهزة والمكائن المستخدمة اذا كان مستوردا فهو واحد من اهم وابرز معايير التخلف،، ضمن مفهوم التخلفلوجيا.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى