أدب وفنغير مصنفمقالات

الكاتب البلجيكي المثير للجدل يستفز القارئ بقضايا صادمة …”ديرك براك” يخطّ طريقاً روائياً محفوفاً بالمخاطر

بقلم: ضياء الجنابي - بلجيكا

عندما ينوي الروائي البلجيكي المثير للجدل (ديرك براك) كتابة رواية تعالج إحدى القضايا الحساسة الصادمة في المجتمع الأوروبي، فإنه يقوم برحلة بحثية تنقيبية عن جذور وامتدادات تلك القضية قبل الشروع بالكتابة عنها لكي يحصل على تفاصيل تفاصيلها ويتعرف على أدق حيثياتها من خلال استخدامه الطرق العلمية المنهجية، متوخياً بذلك الصدق والأمانة في نقل وتصوير مناخات الأحداث الخطيرة والقضايا المستفزة للقراء وخصوصاً الشباب منهم، ولم يمنع تطلعه في رصد الحقائق وهوسه في معايشة الوقائع أن يرافق دوريات الشرطة ويتجول معهم في عموم بروكسل متنقلاً بين حاراتها وشوارعها الخلفية للحصول على نظرة ثاقبة تغوص في قصص الحياة الواقعية عبر معايشتها ورصدها عن كثب والاطلاع على كل ما يجترحه العالم السفلي وقاع المدينة من ممارسات غريبة، وهو بهذا يعي أن كل حكاية يكتب عنها، مهما كانت قاسية ومؤلمة، فإنها تمنح القارئ في نهاية المطاف شعورًا إيجابيًا.
إختيارات حساسة
الكاتب (ديرك براك) المولود في الرابع من شهر حزيران يونيو عام 1953 عمل في بدايات شبابه في مركز للفرز البريدي ومن ثم ساعياً للبريد، وكان مهتماً جداً بدراسة التاريخ، ولا سيما عصور ما قبل التاريخ، وقد كتب من خلال هذا الاهتمام قصة عن إنسان “النياندرتال” وتقدم بها لمسابقة شباب فلاندرن للقصة، ولم يحالفه الحظ بالفوز بأي موقع فيها، غير أن ذلك لم يفت عضده، فواصل الكتابة بوتيرة متصاعدة وشرع في مشوار حياته المهنية كمؤلف بوقت مبكر، وقد ظهر لأول مرة عام 1993 بشكل ملفت للنظر بعد صدور مجموعته القصصية الأولى التي تتألف من ستين قصة قصيرة تصور حياة صيادي العصر الجليدي، بعدها واصل نشر العديد من القصص التي استطاع من خلالها خطف الأبصار في الساحة الثقافية، وسرعان ما تحولت الكثير من قصصه إلى أفلام سينمائية كون الموضوعات التي تناولها كانت لافتة للنظر، جريئة، متوفزة، مؤثرة، صادمة، تتسم بقوة الأسلوب وخطورة الثيمة، مع ما يميزها من حساسية مفرطة، وقد عالج ديرك في قصصه ورواياته جميع أنواع الموضوعات الاجتماعية المثيرة للجدل التي تتعلق بشكل حصري بالجانب السام القاتم من حياة الناس، مثل سفاح القربى كما في رواية (قريباً لن يؤذي بعد الآن)، مرض الإيدز كما في رواية (الساعة صفر)، التوحد كما في رواية (جسر خالي)، عصابات الشباب في رواية (الأسود)، الشذوذ الجنسي في رواية (هي ولها)، الأمهات المراهقات في رواية (بمرور الوقت)، أطفال الشوارع في رواية (ذبابة على الحائط) والجنود الأطفال في رواية (عندما تقاتل الفيلة)، وهناك روايات تتحدث عن التحرش الجنسي بالأطفال، إدمان بعض الشباب على المخدرات، الطلاق، العنف الجنسي مع المرأة، الابتزاز، الوحشية، إفرازات الحروب، التخريب، كما قام بنقد المؤسسات العامة، إضافة إلى رصد الإساءات الاجتماعية، ويحاول أحياناً أن يكتب عن أشياء مغايرة مثل قصص مضحكة أو كتب تاريخية.
براعة التصوير
لا يتواني ديرك براك عن طرح أي معلومة دقيقة في قصصه حتى لو كانت مفزعة أو تقشعر لها الأبدان، وقد تفنن في وصف الجنس والعنف بشكل واضح وصريح، وهو يفضل أن يرسم ثقافة الشباب الذين يعانون من الظروف الصعبة، حيث المجال أمامهم ليس كبيراً ولا معدوماً بنفس الوقت للتمسك بالقواعد الأخلاقية العامة أو القبول بالتنازلات الكلاسيكية، ومن المثير للدهشة في كتاباته هو الأسلوب المباشر والصريح والواقعي للغاية في التعامل مع الأحداث، ما يجعل رواياته أقرب إلى التقارير الصحفية، وإن ما يميز روايات ديرك براك هو صعوبتها وواقعيتها، وكذلك كونها مثيرة وجذابة، لأنه يبتعد عن الخجل والتردد عند معالجته المواضيع العنيفة الموثقة بشكل جيد، ويواصل هذا الخط بنفس الوتيرة على مستوى شخصياته الشابة التي يخلقها في قصصه، وبهذا استطاع أن يخط لنفسه طريقاً خاصاً محفوفاً بالمخاطر لقلة سالكيه، ولم يبالِ بأي ردة فعل يمكن أن تنجم عن تجاربه المغامرة، وقد تميز ببراعته في تصوير كل تلك البشاعات بحلة إبداعية جميلة ومستوى فني رفيع، لذلك تتصدر كتبه الجديدة دائماً قائمة أفضل عشر كتب، كما أن ديرك براك متحدث مفوه ومرغوب جدًا في إلقاء المحاضرات في المدارس والمكتبات، ودائماً يصطف المعجبون في معرض الكتاب السنوي في أنتويربن للحصول على توقيعه.
طقوس خاصة
رغم كون ديرك هو الكاتب الأغزر نتاجاً في بلجيكا، والأكثر شعبية بين الكتاب الفلامانيين، وصدرت له مجاميع قصصية كثيرة وروايات عديدة وكتب مختلفة وقد ترجمت معظمها إلى عدة لغات منها الفرنسية والدانمركية والألمانية والإسبانية والبولندية، إلّا أنه يحب كرة القدم وكرة الطائرة والركض وموسيقى الروك الثقيلة، ويحرص برغبة تامة على تقليده الأسبوعي بالذهاب كل يوم أحد بعد الظهر إلى الحانة القديمة في قريته للحديث عن أي شيء ماعدا الكتب والكتابة
تقويم ذاتي
بعد صدور روايته الثانية (الأزرق مرير) عام 1994 توضحت شخصية ديرك براك الكاتب ونهجه المختلف وأسلوب كتابته التي تتبنى المواضيع الاجتماعية الحساسة، من أجل توجيه أنظار القراء الشباب إلى تلك المشكلات والنظر إليها من خلال عيون الذين يعيشون بشكل مختلف تمامًا، المشغولين بأشياء مختلفة جداً، وفي أحد الحوارات الصحفية التي أجريت معه حول هذا الكتاب أشار ديرك قائلاً: (كلما اكتشفت المزيد حول المشكلة، يصبح من الصعب علي الكتابة عنها)، وقال بنبرة حزينة: (أخيرا، سعيت إلى النجاح من خلال بؤس الأطفال ومعاناتهم، ولا أستطيع القول إنني أعاني من مشاكل في الضمير، لكن الكثير من التصرفات لم تناسبني حقاً، رغم أن الأشخاص الملتزمين بهذه القضايا يرونها بشكل مختلف تمامًا، إذ يعتقدون أن مثل هذا الكتاب يمكن أن يخفف قليلاً من المعاناة، وأنه وسيلة لإزالة المشاكل وإخراجها من المجهول، من الغموض واستمرار إحضارها إلى الشباب بطريقة سهلة القراءة).
سلة الجوائز
بعد نهوضه الصلب من فشله الأول في الحصول على جائزة شباب فلاندرن للقصة في بداية مشواره الطويل في الكتابة والتأليف، استطاع ديرك براك أن يقف على قدمين ثابتين ويتصدر جميع الروائيين والكتاب من أبناء جيله في قطف الجوائز على مدى أعوام متتالية، ويمكن لنا أن نذكر الجوائز التي حصل عليها بهذا الترتيب
• عام 1996 حصل على جائزة مؤلفات الأطفال والشباب عن رواية (ذبابة على الحائط).
• عام 1998: حصل على جائزة مؤلفات الأطفال والشباب عن رواية (ساعة الصفر).
• عام 2001 حصل على جائزة مؤلفات الأطفال والشباب في مقاطعة ليمبورغ عن رواية (الشفاه الصامتة).
• عام 2003 حصل على جائزة مؤلفات الأطفال والشباب في مقاطعة ليمبورغ عن رواية (لم تعد مؤلمة).
• عام 2003 حصل جائزة مؤلفات الأطفال والشباب في إقليم فلاندرن عن رواية (لم تعد مؤلمة).
• حصل على الجائزة الثانية لعام 2004 لمؤلفات الأطفال والشباب في إقليم فلاندرن عن رواية (قتال الفيلة).
• عام 2005 حصل على ألقاب الترشيح الأساسية في لجنة التحكيم لعام 2006 عن رواية (هي ولها).
• عام 2006 حصل على ترشيح أفضل كتاب (جوائز الأطفال 2005) عن رواية (الحناء على بشرتك).
• عام 2006 كانت روايته (الحناء على بشرتك). ضمن العناوين الأساسية للترشيح في لجنة ترشيح الشباب لعام 2007.
• عام 2007: تم ترشيحه لجائزة De Boekenleeuw هي جائزة سنوية للأدب الفلاماني تمنح لأفضل كتاب للشباب باللغة الهولندية عن روايته (الأسود).
• عام 2008: تم ترشيحه لجائزة De Boekenleeuw بشكل دائم.
إن السيرة الإبداعية لهذا الروائي العصامي المشاكس تؤكد أن الإصرار على مواصلة الهدف كفيل بتحقيق الطموحات.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى