هجرة العرب العكسية من أوروبا (التداعيات و الأسباب)
#الشبكة_مباشر_إستكهولم_ بقلم: أ. فاروق الدباغ إختصاصي السلوك المعرفي CBT
الهجرة إلى أوروبا، ذلك الحلم الذي تحوَّل إلى كابوس يُرهِق ويَقِضُّ مضاجع العديد من المهاجرين. فبعد إن كانت أوروبا تمثّل أرض الأحلام للعديد من المهاجرين ممّنلجأوا إليها هرباً من الحروب التي طالت بلدانهم، وفراراًمن دكتاتورية حكوماتهم.وطِبقاً لـ “علم السلوك المعرفي” الذي يرى بأنطريقة التفكير والشعور
الناتج عنه يقودان بالضرورةإلى النزوع “السلوك”الفردي.
كان حلم الهجرة يشكّل هاجساً لدى الكثير من أفراد المجتمع بهدفالتخلص من ويلات الحروب، الفساد الإداري للحكومات والاضطهاد.وكثيراً ما يؤدي هذا التعايش وخبراته المؤلمة المتمثلة في مشاعر الاحباط، القلق والخوف إلى تفكير عميق يقود بدورهإلى الميلوالنزوع نحو الهجرة، ومِن ثَمَّ يتحمل ما قد ينجم عن
قرار الهجرة من تبعات ونتائج مهما كانت سلبية أو إيجابية.
المهاجرون قبل عام 2015:
لقد كان عدد المهاجرونقبل عام 2015 محدوداً، ولكنه ازداد كثيراً بعد أن تفاقمت الاوضاع السياسية في العديد من الدول منها: سوريا، العراق، ليبيا واليمن.وكثيراً ما يتخذ الفرد قرارهبالهجرة دون اعتماد أي دراسة أو تقييم يتعلقبالوجهة المقصودة، خطة ما بعد الهجرة والأهداف المستقبلية المنشودة من هجرته.
وما حصل أن تلك الأعداد الكبيرة من المهاجرين اتجهت إلى المانيا،إسبانيا وإيطاليا فضلاً عن السويد، النرويج وهولندا. الأمر الذي أربك تلك الدول الاوربية إدارياً وتنظيمياً في استقبال المهاجرين لاسيما وإن هذه الدول تعتمد في شؤونها السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية الاستراتيجيات والدراسات المسبقة. ومن
التحديات التي واجهت هذه الدول ظروف السكن، الرعاية الصحية، والتامين الاجتماعي. وكل ماسبق يُتَرجم واقعاً في مؤسساتها العديدةكالمدارس ومراكز التاهيل أو ما يسمى بمؤسسات الإندماج العرقي، فبعدأن كان المهاجر يحصل على شقة سكنية مستقلة أصبح يحصلعلى سرير فقط داخل مركز استقبال
مهاجرين في مدرسة أو قاعة رياضية وذلك لكي يتم استيعاب العدد الكبير لهؤلاء المهاجرين بمحض دوافع إنسانية وفق تحقيق الحاجات الأساسية الأكثر إلحاحاً للإنسان، تلك الحاجات التي أكد عليها العالم “إبراهام ماسلو” في هرمه المعروف للحاجاتMaslow`s hierarchy of needs 1943*
وهذا ماحصل بالفعل بعد عام 2015 فتلك الأعداد الهائلةللمهاجرين التي لم تكن تمتلك التهيؤ النفسي ولا الاستعداد العقلي، لكي تتمكن من استيعاب ذلك التغيير الكبير الذي سيضطرون للتعايش معه وتقبله. في ذات الوقت أصيبت تلك المجتمعات المستقبلة ومؤسساتها بالإحباط،إذ أنها لم تحصل بالتأكيد
على نتائج مُرضية للهجرة بما يتناسب وسقف توقعاتها العالي، فبدأت الصعوبات تتزاحم على المهاجر ومنها صعوبات تعلم اللغة،مشَقَّة الحصول علىشقة سكنيّة، قلة فرص العمل فضلاً عنصعوبات التوافق مع التغير المناخي “كطول فصل الشتاء” وصعوبات الإندماج. أدى ذلك الى تكتلات مجتمعية صغيرة يساعد
فيها الافراد بعضهم البعض في تعويض ما أخفق المجتمع الجديد في تحقيقهلهؤلاء الافراد وعائلاتهم كالأمن الاجتماعي والتوازن النفسي. من هنا تشكّل لدينا ما يسمى بالمجتمعات الموازية وما نتج عنها من تجاهل لغة المجتمع المستقبِل والاعتماد بشكل تام على المترجم في جميع التعاملات وهذا بدوره
أصبح يشكّ عبء مادي على اقتصاد الدولة.ثم أصبحت هذه المجتمعات الموازية تعيش معايير اجتماعية تختلف الى حد كبير مع ثقافة وقوانين المجتمع المستقبِل.
وممّا زاد الأمر سوءاً أن تلك المجتمعات الموازية أصبحت مصدر مطمع لجماعة من الانتهازيين وتجار الازمات، فقد تعرّض العديد من الافراد إلى مختلف مظاهر النصب والإحتيال ومنها استغلال من يبحث عن شقة سكنية بشكل غير قانوني فيضطر إلى قبول (الايجار بالأسود). ومنها دفع مبالغ كبيرة (الرشوة)كوسيلة
مختصرة ولكن غير قانونية للحصول على رخصة القيادة الاوربية. وقد تزامن الانبهار بحداثة ومدنية المجتمع الاوربي مع إستغلال القوانين ومثالاً على ذلك إستخدام بعض النساء قانون حماية المرأة للتخلص من سلطة زوجها الميكافيللي، الزوج الدي يبيح لنفسه خارج البيت ما لا يرضاه لزوجه أو أنه يمارس التسلط
على زوجه وأطفال (سي السيد). فشرعت قسم من تلك النساء إلى الإستفادة من قوانين الشؤون الاجتماعية بخلع الرجل وطلب الطلاق. بل وذهب البعض من المهاجرين إلى البحث عن كل السبل الملتوية للنيل من القوانين بالغش والاحتيال كالطلاق الوهمي للحصول على شقتين سكنيتين ليسكن في
أحداهما ويؤجر الأخرى سرّاً “بالاسود” لأبناء جلدته. فضلاً عن العمل الأسود خارج إدارة الدولة والتهرب الضريبي وممارسة بعض الظواهر الاجتماعية المرفوضة في القانون الأوربي كتزويج البنات القاصرات، تعدد الزوجات خارج البلد الغربي، ختان الفتيات وتشجيع السلطة الذكورية للاخوة الذكور في العائلة وصولا الى
اضطرار الفتيات إلى عملية اعادة العذرية قبل الزواج.
ويؤسفنا أن عدد كبير من المهاجرين ما زالوا لايدركون بأن الطفل نتاج ما يتعلمه من تنشئته النفسية والاجتماعية.إذ تستمر أوقات دوام المدارس التي يذهب اليها اطفال المهاجرين وقت طويلفتبدأ من الساعد الثامنة صباحاًوتنتهي في الساعة السادسة مساءاً ومن هنا فقدأصبح الطفل لا يلتقي بعائلته
البايولوجية إلا ساعات محدودة قد يكون فيها الوالدين مشغولان او متعبان فلا يتواصلان بشكل جيد مع الطفلمما أنتج فجوة نفسية، تربوية واجتماعية تزداد عمقاً بين الطفل وأبويهأدى بدوره الى الإصطدام الثقافي. ويحصل أن يلاحظ المعلم أو الموجّه النفسيوالاجتماعي في المدرسة اضطرابا سلوكياً عند الطفل
الذي يعيش ازدواجية بين واقعين متناقضين، واقع وسلوكيات العائلة المرتبط بثقافة البلد الام وقواعد وسلوكيات المجتمع الاوربي حيث حرية الرأي واحترام صورة الذات، حرية التفكير واتخاذ القرار ومن ثم تنفيذه. هنا يحصل “بلاغ القلق”فتبدأ العائلة في الدخول إلى نفق مظلم ومجهول يتضمن الكثير من التخوف مما
سيصل إليه الحال من قرارات تتخذها دائرة الشؤون الاجتماعية. وما يزيد الطين بلّة، النقص أو الجهل المعرفي المجتمعي لاولياء الامور والذي يؤدي بطبيعة الحال الى ردود افعال عاطفية من الابوين ضد قانون السوسيال والذييؤدي في اغلب الحالات الى سحب الطفل. الامر الذي يعتبره الابوين تدخل صارخ وغير
عادل بشؤون الاسرة بما لا يتناسب مع قيم وثقافة الاسرة في بلدهم الام ولكنه محض اجراء قانوني في البلد المضيف.
لقد ازدادت هذه الحالات في السنوات الاخيرة مابين 2015-2020 الامر الذي ولّد نقمة مجتمعية في اوساط المهاجرين، نقمة لا يجرؤ احد منهم بالافصاح عنها في العلن او التحدث بها خوفا من المجتمعات الصغيرة ان تشير بالسبابة على الفشل التربوي في العائلة.
وفيما يلي موجز لأهم أسباب الهجرة العكسية:
1. أخطاء هيكلية وتنظيمية ارتكبها موظفوا الشؤون الاجتماعية أما نتيجة النقص المعرفي والمجتمعي للمهاجر ولثقافته أو نتيجة لإطلاق الأحكام النمطية المتعلقة بالعرق والجنس والعقيدة للمهاجر بدوافع عنصرية وقد تؤدي أحياناً إلى قرارات سحب الاطفال وزرعهم في عوائل حاضنة لا تنتمي لثقافة ومعتقد
العائلة البايولوجية الاولى. ثم تكتشف العائلة المهاجرة التي تقفد طفلها بعد مرور سنة من قيام الشؤون الاجتماعية بالسحبأن طفلها قد أصبح أكثر ارتباطا بالعائلة الحاضنة مما يؤدي الى سحب الحضانة أخيراً العائلة البيولوجية.
2. الجهل او النقص المعرفي للكثير من الاباء والامهات المهاجرين لقوانين المجتمع المضيف وتأخرهم في تعلم اللغة الاوربية ، وكذلك صعوبات الاندماج الاجتماعي والحصول على فرص العمل الامر الذي يخلق جيل من الابناء والبنات مندمج ويطمح في التعلم والتطوروجيل آخر يحاول سحب الطفل الى ثقافة
البلد الام بطرق غير علمية.من هنا يفقد الطفل القدوة داخل اسرته وتتسع مساحة أمنه النفسي واستقراره العاطفي لتشمل العائلة الحاضنة والمدرسة والمجتمع ليصبح بالنتيجة الابناء مغتربون عن واقعهم فهم في عالم والاباء في عالم اخر وإن كانوا يعيشون تحت سقف واحد.
3. الانتهازيون وتجار الأزمات ممن يسعون إلى تفاقم تلك المشكلة المجتمعية بتناولها على قنواتهم ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف الكسب المادي والحصول على الشهرة. وقد يعكس هذا تبنيهم لاجندات خارجية للتاثير سلباً على المجتمع المسقبل للمهاجر.
4. الاحزاب العنصرية التي نشطت والتي تسعى جاهدة لاستغلال أي مشكلة أو أزمة وربطها سريعاً وبشكل مقصود بالمهاجرين (العرب والمسلمين). والغاية بطبيعة الحال الحصول على مراكز متقدمة في سباق الانتخابات وهذا ما حصل في انتخابات السويد 2022،إذ تم استخدام المتطرف الدانماركي
“بالودين” في مرات عديدة ليستفز مشاعر العرب والمسلمين بهدف استثارتهم والحصول على ردود فعال عاطفية تدينهم. وتجسدت بالعنف ضد الشرطة وتخريب بعض الممتلكات العامة كرد فعل عندما كانت لشرطة تحمي القانون بصرف النظر عن السلوك الذي يقوم به المتطرف وهذا ما قد لا يفهمه بعض
المهاجرين وخصوصا المراهقون منهم. وبالفعل حصد الحزب العنصري السويدي (الديمقراطي السويدي) أعلى نسبة في الإنتخابات وحصل على عدد المقاعد الأكبر في البرلمان ليقود الحكومة الحالية في السويد ولاول مرة.ثم أصدر بعد فوزه بالانتخابات حزمة قرارات تستهدف في أكثرها المهاجر ومنها على سبيل
المثال وليس الحصر تشديد قانون الهجرة وقوانين الشؤون الاجتماعية المتعلقة بالمهاجرين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين ذلك المتطرف بالودين الان؟ ولماذا اختفى بشكل مفاجئ بعد كان يمارس سلوكه المتطرف ثلاث مرات كل شهر وفي أكثر من مدينة سويدية!
وبعد كل ما ذكرناه آنفاً، نصل إلى نتيجة مفادها أن المهاجر قد أصبح بين مطرقة الحكومة التي ترفض الاصغاءوالحوار وفتح التحقيق في اخطاء السوسيال،فتطلق على المتظاهرين بذويالحملات التضليلية ضد دائرة الشؤون الاجتماعية. وبين سندان مجموعة من الفشلة العاطلون من الذين يعتاشون على
المساعدات الاجتماعية بعد أن فشلوا في الاندماج الاجتماعي وأصبحوا أقرب إلى الاضطراب المزاجي منه إلى السويّة، فيصرخون ويكيلون الشتائم ويحرضّون على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العربيةالأمر الذي اعتبرته الحكومة السويدية خطر كبير يهدد الأمن المجتمعي السويدي.
فاروق الدباغ -السويد