ايقاعات ما زالت في الذاكرة ..معلم اللغة العربية والتربية الدينية الأستاذ عناية الحسيناوي ح ٣ عقيل العبود
الشبكة مباشر
ايقاعات ما زالت في الذاكرة ..معلم اللغة العربية والتربية الدينية الأستاذ عناية الحسيناوي ح ٣
عقيل العبود
مازال مُضِيّها يرتاد مسامعي تلك الإيقاعات، التي رسمتها بصمات شاعر عريق؛ قصيدة (أغرى إمرؤ يوما غلاما جاهلا)، مع دموع أمي، التي راحت تنصت بخشوع إلى سحر الالقاء الذي كنت اتمتع به، حين كنت أتغنى بتدفق معانيها، أي تلك الأبيات، وهي تخفق وجعا تضامنا مع إبتلاء أم أغارَ عليها ابنها ذات يوم بسكين أصم؛ ذلك لقاء قلبها الذي قرر بيعه مقابل بعض نقود لحظة إغراء أبله.
وتلكم قصة بقيت شاخصة لأنفاس ضحية تعفر دمها بتراب الأرض لتبقى محبتها الازلية حية كما جذور شجرة لم تمت.
مخاض كأنما لم يأبه بمنعطف قدر احمق على لسان غلام لا يفهم في لحظات المواجهة الا تلك الحاجة التي بقيت غامضة في مشاعرنا نحن الذين ما زلنا نتغنى بلحنها تلك الفاصلة من المشهد.
أما معلم اللغة العربية الذي أرشدنا لحفظها تلك الأبيات، فما زال بجبهته العريضة وطلعته المتزنة، يحكي تفاصيل حوارات بقيت مؤازرة، لنكهة الشعر المحلى برحيق الوزن، مضافا إلى دروس التراتيل الخاصة بأجزاء السور القصار وتفسيراتها، التي تزينت بمتانة البلاغة، والإبداع.
لهذا محاجر مقلتيه المليئة بالرفعة، لم تزل أوصافها تحكي علامات فارقة تحتاج إلى أرشيف.
المركزية أبان ذاكرتي الستينية، مدرسة إحتوتها مسارات خطوطي المتزاحمة بالابداع، لتبقى كعادتها تتحدث عن تلك المحطة، التي ما انفكت ترتوي من بصمات معلمي الذي تم تصنيفه مع آخرين هكذا مع سفر الخالدين!
هي موضوعة تبدو رخوة قياسا إلى معارف العالم الزاخر بانجازات المبدعين ، لكنها نظرا لصدق محتواها ومضامينها تحولت الى ارث وديباجة كنا نفهم من خلالها معنى المعلم، وحقيقة التعليم، هي شهادة لتلميذ اتيح له ان يكتب لاحقا عن شخصيات وضمائر لم ينل منها الصدأ.
فمعلم العربية كان المرشد، والعارف بأمور اللغة، والبلاغة، والنحو.
لقد علمَّنا الرجل احكام الدين، والتفسير، إضافة الى بحور الشعر، والأوزان، رغم صغر أعمارنا ، ولهذا أبت القصيدة أن تخلع تاج حرفها النزيه، وهي تستقي روعتها من كتاب الله بشكل ناصع.
وبيت القصيد أننا لاحقا وبعد ان ادركنا معنى الشعر، والبلاغة، والخطابة وفقا لنهج معلمنا الذي أحببناه، صرنا نبحث كل يوم عن طريقة جديدة لتذوق حلاوة لغتنا العربية ليتنا نشهد انبعاث قصائد جديدة، ونتنعم بخضرة بساتينها، التي تحتاج منا أن نتغنى كل يوم بها؛ ذلك إجلالا لفقه حروفها البهية، ما يجعلنا بحاجة ماسة الى قلم رصين، وشاعر فذ، ومنبر للتعليم مثابر.
عقيل العبود
ماجستير فلسفة وعلم الاديان جامعة سان دييغو
باحث اجتماعي