أنفاس نخلة سبعينية*
عقيل العبود
أمست آثارُها تنبضُ في الذاكرةِِ تلكَ المشاهدُ، وتتقاطع على أرضها المحطات، أما الوطنُ فهو مواقف لأصدقاء، ورموز ارتبط تاريخ محبتهم مع شخصيات تتناسل سرديات المكان فيها، وفقًا لأزمنة الحكايات
*
كنا نتداول سعادتنا المبتغاة، تنبض في مشاعرنا ألوانها، نتحدى لأجلها العقبات، نتطلع بعيدًا، نرسم خطوط اللوحة بإتقان، نستعرض سطور الموت عند ضفاف الحزن، وتلك الوريقات
*
لم تكن السيناريوهات على نمط ما نشاهده في فضائيات هذه الأيام، بل كانت تتحدث عن أبعاد اللون، ورائحة المعنى، ولغة المحيا
*
فالعاشق كان يقرأ لقيس بن الملوح قصة، لعلها تخفف في أبياتها أثقال أحلامه المرتجاة، أما المسرح فكنا نتغنى برائحة المنظر فيه، نلتقط مقاطع الفرح، والحزن، تشدنا مع اللقطة حكايتها المبتغاة
*
كان لكل واقعة نشوة تكبر فينا، لعلها تبلغ أوجها؛ فالبطل نقرأ له، نسمع عنه، نسعى لأن نعيش طريقته في التحدي؛ تتبعنا الأمنيات
*
ولهذا ما انفكت رواية غائب طعمة فرمان في أذهاننا عالقة تطل علينا بين الفينة، والأخرى، وبقيت تلك النخلة شاهقة، وبقي والجيران تنبض في قلوبنا سنابل مودتهم، نفرح معهم، ثم نحزن، لعلنا نبقى معا، تشدنا رابطة الألفة، والذكريات*
*
ذات يوم سبعيني، صرت أترقب وردة ياسمين عبر أصداء صوتي المزكوم، لأكتب رسالة حب عن أنفاس تلميذة معي في الصف، لم تكن تتجاوز بعد نكهة براءتها، أمشي بجانبها دون أن أبوح لها ما يجول بخاطري من كلمات
*
كانت مثل فراشة تتهادى في مشيتها، تحلق بين الأزهار، تحثها على الترقب تارة، تطوف بين أغصانها، ينحني الضوء لأجلها حاملًا بريق محبته
*
بينما فوق زجاج النافذة المطلة على حديقتها ثمة قطرات مطر جاءت من جهة الشمال، ثم انعطفت قليلًا معلنة تعثرها عند باحة حديقتنا، لعلها تبحث عن مخبئ يواسي غربتها
*
وعلى أثر ذلك النوع من الاغتراب، توهجت في داخلي رغبة مسكونة بالشوق، راحت تحثني على البكاء، تطوقني، تستفز لغو الخيال في مشاعري، لتذهب أقدامي بعيدا بحثا عن نهايتها المرتقبة
*
غدا المشهد مستسلما للعزاء، يشاركنا روعة الانتماء، متحديا تفاصيل الفجيعة، متفاعلا مع الوجدان، حاضرا لمواساة آخر ما تبقى من جذور نخلة، وجدتها قد اصفر سعفها كما عمارة أتعبها العمر، وأنهكها الشقاء
كان ذلك بعد ربع قرن من الترحال، حيث تحول الحنين إلى صراخ يشبه إلى حد ما شهقة أمي التي استقبلتني حينها بالبكاء.
*
عقيل العبود/ كاليفورنيا
