مقالات

الظاهرات المناخية النينو ولانينا وأثارهما على البيئة والانسان

الاستاذ الدكتور خلف حسين علي الدليمي المقيم في التركيا

أولا- النينو وأثرها على المناخ
ظاهرة النينو هي تغير عنيف في درجة حرارة الجزء الشرقي من المحيط الهادي على طول خط الاستواء، وهي تحدث بشكل روتيني كل أربع إلى عشر سنوات.
في العادة تهب الرياح التجارية تجاه الغرب على طول خط الاستواء، وهذه الرياح تجمع مياه السطح الدافئة غرب المحيط، فيرتفع منسوب المياه حوالي نصف متر عما في الشرق، وعندما تتجمع مياه السطح في الغرب تصعد المياه الباردة فتحل محلها آتيةً بالمواد الغذائية من قاع المحيط إلى السطح، فتكثر الأسماك عند ساحل الإكوادور، وبيرو، وكولومبيا, أما المياه الدافئة المتجمعة فتسخن الهواء الذي يعلوها، ويتحول بخار الماء سحبًا تأتي بالأمطار لجنوب شرق آسيا، ويبقى الساحل الغربي لأمريكا اللاتينية جافا.
وتحدث ظاهرة (El Nino) نتيجة لتغير مؤقت في مناخ المنطقة الاستوائية بمنطقة المحيط الهادي، الذي يُحدث بدوره تأثيرات متباينة على مناطق عده في أنحاء العالم من جفاف وحرائق للغابات، وأمطار غزيرة وسيول وفيضانات.
وتعني النينو بالإسبانية الولد أو ابن المسيح، وقد أطلق الصيادون في الإكوادور وبيرو على تلك الظاهرة هذا الاسم، لأنها كانت تأتي قرب أعياد الميلاد،وكانت تجعل المحيط الهادي أكثر دفئا، وتغير اتجاه التيار بالمحيط، فتقل الأسماك بشكل ملحوظ، وهو ما يساعد الصيادين على قضاء هذه الفترة في البيوت مع أسرهم،ولكن الاسم لم يعد يُستخدم للتعبير عن هذه التغيرات الموسمية الطفيفة فقط،ولكن تجاوزها للتعبير عن التغير المتواصل في جو المحيط الهادي، وذلك باقترانه بما يدعى التذبذب الجنوبي أو Southern Oscillation فأصبح يطلق عليه (El Nino Southern Oscillation).
ومن خصائص ظاهرة النينو التي يمرّ بها المحيط الهادىء ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط بالإضافة إلى الخصائص الآتية:
1-ضعف قوة الرياح في طبقات الغلاف الجوي المنخفضة على طول خط الاستواء فتعزيز الحمل الحراري في المياه الاستوائية للمحيط الهادئ.
2-نشاط التيار النفاث في بعض أجزاء الولايات المتحدة بسبب تزايد الحمل الحراري في فصل الشتاء، ممّا يؤدّي إلى زيادة معدلات هطول الأمطار جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في ولاية كارولاينا الجنوبية. انخفاض درجات الحرارة في في الجنوب الشرقي إلى مستويات أقل من معدلاتها الطبيعية.
3-تزايد الرياح الرأسية فوق البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، بسبب هبوب التيار النفاث بطريقة معينة خلال موسم الأعاصير الممتد من شهر حزيران إلى شهر تشرين الثاني، اذ تمنع رياح الرأسية لمتزايدة تطوّر الاضطرابات الاستوائية إلى أعاصير.
وقد تكبّدت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1917-1918م خسائر ماديّة تُقدّر بقيمة 3.5 مليار دولار بسبب الأضرار التي لحقت بالمباني والأراضي الزراعية وغيرها من البنى التحتية للبلاد بسبب ظاهرة النينو، أمّا في عام 2016م أدّت ظاهرة النينو إلى تبييض الشعاب المرجانية في المحيط الهادئ، واجتياح الفيضانات لأراضي أمريكا الجنوبية، واندلاع الحرائق التي ساهمت الأراضي الجافة في أستراليا في انتشارها، وتمكن خطورة ظاهرة النينو في إمكانية امتداد أثرها لعام كامل، على الرغم من بلوغ درجات حرارة المياه حدّها الأقصى في فصلي الخريف والشتاء في نصف الكرة الشمالي.
ثانيا-ظاهرة لا نينا
يُشير مصطلح لا نينا إلى النمط المناخي الحاصل خلال فترات معيّنة من السنة، والذي يتمثّل في انخفاض درجة حرارة المياه الاستوائية السطحية في المحيط الهادىء على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، وهو مصطلح إسباني معناه الفتاة الصغيرة، وتُعاكس هذه الظاهرة في تأثيراتها ظاهرة النينو، اذ إنّ التغيرات الحاصلة في درجات حرارة المحيط بفعلها تُعاكس تلك الحاصلة بفعل ظاهرة النينو.
تتمثل خصائص ظاهرة لا نينا التي يمرّ بها المحيط الهادىء بانخفاض درجة حرارة مياه المحيط بالإضافة إلى الخصائص الآتية:
1- قوة الرياح في طبقات الغلاف الجوي المنخفضة على طول خط الاستواء.
2- انخفاض في تيّارات الحمل الحراري في المياه الاستوائية للمحيط الهادئ، ممّا يؤدّي إلى كبت التيار النفاث الجنوبي، لينعكس ذلك على معدلات الهطول المطري بالانخفاض في جنوب الولايات المتحدة وتحديداً في ولاية كارولاينا الجنوبية.
3- ارتفاع درجات الحرارة شتاءً في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية فوق معدلاتها الطبيعية، وانخفاضها في الشمال الغربي للولايات المتحدة الأمريكية تحت معدلاتها الطبيعية.
4- انخفاض قوة الرياح العلوية في موسم الأعاصير، وتحديداً خلال الفترة الواقعة بين شهري حزيران وتشرين الثاني، ممّا يُنشّط الأعاصير في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي.

اثرت ظاهرة لا نينا على الجنوب الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الواقعة بين عامي 2007-2009م وما سببته من جفاف غير مسبوق ، إذ تُقدّر قيمة الخسائر التي لحقت بمزارع ولاية كارولاينا الشمالية بحوالي 500 مليون دولار بفعل الجفاف الشديد، أمّا في جنوب شرق آسيا فقد أدّت ظاهرة لا نينا إلى زيادة هطول الأمطار المُصاحبة للرياح الموسمية خاصةً شمال غرب الهند وبنغلاديش، ممّا انعكس إيجاباً على الاقتصاد الهندي المعتمد على الرياح الموسمية في الزراعة والصناعة، أمّا ظاهرة لا نينا التي حدثت عام 2010م في أستراليا فقد تسبّبت في أسوأ فيضانات في تاريخ المنطقة، اذ سجّلت خسائر تُقدّر بملياري دولار.
ثالثا-العلاقة بين ظاهرتي النينو ولانينا
ان العلاقة بين ظاهرتي النينو ولا نينا اذ تنتمي ظاهرتا النينو ولا نينا إلى ظاهرة التذبذب الجنوبي للنينيو المتمثّلة في سلسلة طبيعية من الظواهر المتعلّقة بالطقس، والتي تحدث في منطقة المياه الاستوائية في المحيط الهادىء، وتؤدّي إلى تغيّرات غير طبيعية في درجات حرارة المحيط والضغط الجوي، وتُعدّ ظاهرة التذبذب الجنوبي للنينو بالنسبة لأمريكا الشمالية ومعظم أنحاء العالم القوة الرئيسية المُسبّبة لتغيّر أنماط المناخ الإقليمية،وعادةً ما تستمرّ هاتان الظاهرتان لمدّة تتراوح بين 9-12 شهر، وفي بعض الأحيان قد تستمر لسنوات، ولا يُمكن القول بأنّ هاتين الظاهرتين تتكرّران بشكل منتظم، ولكن عموما فإنهّما تحدثان مرّةً كلّ اربع إلى عشر سنوات.
رابعا-المشاكل الناتجة عن تلك الظواهر المناخية
1- بناءا على العديد من الأبحاث والدراسات فقد اتفق العلماء على ان ظاهرة النينو هي تغير عنيف في درجة حرارة الجزء الشرقي من المحيط الهادي على طول خط الاستواء، وهي تحدث بشكل روتيني كل أربع إلى عشر سنوات.
2- حدث أقوى نينو في القرن الماضي بل على مدار التاريخ تلك التي كانت في 1982-1983 فقد تسببت في حدوث كوارث على معظم القارات، وكان منها الجفاف والحرائق التي عانت منها كل من أستراليا وأفريقيا وإندونيسيا،والأمطار الغزيرة في بيرو التي لم يُشهد مثلها من قبل في المنطقة، وقد قُدرت الخسائر بحوالي 13 مليون دولار، وقُتل مابين 1300 إلى 2000 شخص.
3-انتشار بعض الأمراض مثل الالتهاب الدماغي الذي انتشر بشدة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، كما ساعد هذا الجو على انتشار البعوض والفئران والثعابين وحتى أسماك القرش تكرر هجومها على ساحل Oregon بالولايات المتحدة.
4- وكنتيجة مباشرة لتلك التغيرات الشديدة في المناخ التي يحدثها النينو، تنتشر العديد من الفطريات والبكتريا والفيروسات ، وبالتالي تنتعش الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد الوبائي، والتيفوئيد، والكوليرا، والملاريا، كما تكثر الآفات الزراعية مثل القوارض والحشرات، لذا اهتم العلماء كثيرا بالتنبؤ بالنينو فطوروا العديد من أجهزة الرصد لترصد بداية ارتفاع درجة حرارة سطح ماء المحيط الهادي، وهو ما مكّنهم من التنبؤ بالنينو 1997/98 قبل حدوثها بستة أشهر، وكانت تُعد من أقوى النوبات التي حدثت، وقد نتج عنها خسائر في الولايات المتحدة وحدها تُقدر بـ2,4 مليار دولار، وتسببت في مقتل 189 شخصا عدا الجرحى.
5-تعرض استراليا إلى جفاف وحرائق غابات على نطاق واسع.
6-شهدت اندونيسيا والفلبين نقص في المحاصيل وتفشي المجاعة.
7-سيادة الجفاف في الهند ونقص في المياه العذبة.
8-تعرض هاييتي إلى ستة أعاصير استوائية.
9-تدمير صناعة الأسماك في أمريكا الجنوبية،ونقص في المواد الغذائية لسمك بيرو.
10-موت المرجان عبر أعماق المحيط الهادي.
11-فيضان نهر الكلورادو مع انهيارات طينية في الضفاف.
12-انتشار أمراض في خليج Downpours في الولايات المتحدة والتي تسببت في الوفيات والأضرار.
13-تعرض بيرو وأكوادور إلى الفيضانات والانهيارات الطينية.
14-تعرض جنوب أفريقيا إلى الجفاف والتي تسببت في انتشار سوء التغذية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى