أخبار العائلة العربية في المهجرالاقتصادمقالات

أنبياء .. و سلاطين…

#ألشبكة_مباشر_بغداد_ د كاظم المقدادي

طفح الكيل .. هكذا هو شعور العراقيين امام الصلف التركي ، الذي تعدى حدود اللياقة الدبلوماسية وعلاقات الجوار ،، مما اضطر العراق تقديم شكوى للامم المتحدة .

الرد العراقي على المستوى الرسمي والشعبي وعلى الرغم من تبايناته ، كان مقبولا ومعقولا .. مما يؤكد ان ” الدولة ” التي تمر بحالة ضعف يمكن لها ان تكون قوية بشعبها .. في درجات تتحرك فيها المشاعر الوطنية الجياشة .. مع الأشارة الى ان هناك جهات وفصائل مسلحة ركبت الموجة لتصفية الحسابات مع الجارة تركيا .

لتكن هذه اليقظة الوطنية حافزا لنا جميعا .. مثقفين وسياسيين وطنيين .. لأشعار دول الجوار وخصوصا تركيا وايران .. ان العراق وان كان ضعيفا على مستوى الامن والدفاع .. الا انه سيظل قويا في عقله وحكمته وصبره وانتمائه الى حضاراته العريقة .. وعليهم ان يبنوا رؤى استراتيجية مستقبلية ، للتعامل مع العراق عندما يعود قويا وسيعود قريبا ، وليس الاستهانة به وهو على هذه الحالة الأستثنائية .

الثابت .. ان الدول التي تنشأ على سقوط وضمور وانحلال حضارات .. هي دول طفلية.. بمعنى انها انتهزت فرصا واستورثت ارثا حضاريا ، لم يكن ارثها .. ولا يمت بصلة مع تكوينها “الذهني و البايولوجي والانثربولجي” .. وهذا هو حال القبائل الاخمينية وزعيمها كورش الكبير الذي اسقط مدينة بابل العظيمة مركز الاشعاع الانساني الاول عام 539 قبل الميلاد .. واستولى على ارثها الانساني العظيم .. وامعن في طمس هويتها ومعالمها ، وتدمير قوتها وجبروتها .. لكي يصبح امبراطورا و وريثا “غير شرعي” للحضارات العراقية القديمة .

وهو حال الدولة العثمانية ايضا .. التي تأسست في بداية القرن الرابع عشر.. والاتراك أثنيا ، ينتمون الى الجنس الاصفر المغولي .. حالهم حال الصينيين وسواهم من شعوب اسيا الشرقية .

كان ظهورهم الاول في اسيا الوسطى .. كأقوام وقبائل تجمعت غرب بحر قزوين ، وهي البقعة الجغرافية التي تجمع الشعوب الاذرية .. الى ان استطاع الاتراك التقرب من حكم العباسيين ، بفضل وجود العلاقة القبلية بين السلاجقة والعثمانيين

.. بوجود الحفيد العثماني ” ارطغرل” وتم تدريبهم على فن ادارة الدولة .. ثم جاءت الفرصة ليكونوا ورثة للدولة العباسية .

ويكفي زيارة متحف “الباب العالي” وسط اسطنبول لنجد ان كل مافيه من معالم واثار وكنوز عباسية بغداديةالاصل والمنبع .

الطامة الكبرى .. ان هذه الدول ” الطفيلية” لا تكتفي بالسيطرة على حضارات الشعوب التي ورثت منها كل هذا التراكم التاريخي والحضاري .. بل انها امعنت في التنكر لاصحاب الحضارة الاصليين ، تماما كما حدث للهنود الحمر في القارة الامريكية ، لجعلهم رعايا مأجورين منبوذين .

عندما اطلق الاغريق القدامى مصطلح ( بلاد ما بين النهرين ) فانهم يعنون به العراق القديم .. يوم كانت الدولة الاشورية تمتد الى اعالي منابع دجلة والفرات .. اي الى اقصى الشمال من حدود تركيا الحديثة .. التي لم يتجاوز وجودها الجغرافي كدولة سوى 600 عام .. وهو تاريخ نشوء الدولة العثمانية على يد عثمان خان الأول .

والسؤال المهم .. بأي حق يتم اليوم استغلال منابع الانهار العراقية القديمة ، وجعلها ورقة ضاغطة ضد اصحابها الشرعيين ، انها محاولة يائسة لمحو حضارات ونسيان وتنكر وجحود لفضل حضارة ” بلاد مابين النهرين” على تركيا والعالم اجمع .
الغريب.. ان العراق الذي كان ملاذا لهذه الاقوام القبلية .. اصبح اليوم يبحث عن ملاذ له !؟.

انها جريمة بشعة بحق حضارات عراقية قديمة ، وتنكر فاضح لاهلها وسكانها الشرعيين من سريان وكلدان واشوريين وعرب اراميين .
شواهد التاريخ .. لا تستسلم ابدا لهيمنة وتنكر هذه الموجات الشعوبية التي توالت على العراق قديمه وحديثه .

اليوم علينا ان نعترف وللاسف اننا “دولة ضعيفة” وسط عالم مفترس .. ودول جوار شرسة لا تعترف الا بمنطق القوة .. ويفترض ان يكون تاريخنا البين هذا .. حافزا لغرس القوة من الداخل ، وهو الطريق الخفي الذي علينا تبنيه .. مع ضروة التأكيد على توطيد علاقات جوار متوازنة ، مبنية على المصالح المشتركة والمتبادلة.

في سياق المنظومة المعرفية .. فأن تاريخنا المشترك مع الاتراك بشكل او باخر كان مقبولا .. قياسا الى العلاقة مع بلاد الشام .

يكفي لنا ان نذكر اشادة العراقيين بحكم الوالي المصلح مدحت باشا .. الذي حكم العراق في الربع الاخير من القرن التاسع عشر .

لقد جلب لبغداد المطابع وفي عهده صدرت اول جريدة عراقية ( زوراء ) وشق الطرق وعمل السدود ، وشجع على الزراعة ، والصناعة واعاد لبغداد جزءا يسيرا من الألق العباسي .

اليوم اقول وبامانة .. ان العراقيين المقيمين في تركيا “يقترب عددهم من المليون” يعيشون بكل احترام وتقدير على الأراضي التركية .. لم يتعرضوا الى مشاكل ومصاعب .. كتلك التي حدثت وتحدث في الاردن ومصر ، وفي بعض الدول الاجنبية .
وللرئيس التركي اردوغان .. تسجيلا نادرا يشيد بدور العراقيين في معركة “كوت – عمارة ” التي اصطف فيها المقاتلون العراقيون الى جانب القوات العثمانية لقتال المحتلين البريطانيين .

اخيرا .. نحن امام جريمة بشعة حدثت في احد مصايف دهوك ، قصف متعمد راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى من الاطفال والنساء والرجال.. وسواء كان القصف مقصودا ، او غير مقصود ، او جاء من طرف ثالث .. فأن حكومة انقرة ، ووزارة

الدفاع تحديدا هي المسؤولة عن مسرح الجريمة .. وما صدر من الجانب التركي من بيانات لم تكن بمستوى توفير القناعات .. والحري بالجانب التركي تقديم الاعتذار الرسمي .. بحضور وفد رسمي قادم من انقرة الى بغداد .. ولتكون هذه

الجريمة بداية لخروج جميع القوات التركية ، كذلك عناصر حزب العمال الكوردستاني .

واعتقد جازما .. ان تركيا ستخسر الكثير من مصالحها الاقتصادية ، وسمعتها الدولية .

فلا تساوم ، و لا تماطل .. لأن الوقت ليس بصالحها ..& .

د كاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى