كلمة العددمقالات

ها قد عدنا .. يا خرطوم

#الشبكة_مباشر_بغداد_د كاظم المقدادي

لاشيء اخطرمن تدمير الذاكرة الجمعية ، ولاشيء احقر من ان يتحول الساسة العرب اداة طيعة بيد ارادات اجنبية.

اتذكر .. وفي دردشة خاصة مع المستشرق الفرنسي جاك بيرك ، جرت داخل طائرة قادمة من باريس الى يغداد مختزلا قوله :” الزعماء العرب على هوس عجيب بالنزعة الثورية .. انهم مازالوا يقاتلون بسيف عنترة “.. قال هذا في بداية الثمانينيات وهو يستعرض لقاءات جرت له مع بعض القادة العرب منهم

عبد الناصر و صدام حسين .

استغربت من كلامه وهو المحب للعرب وقاطعته مدافعا عن المنهج الثوري كوسيلة للتغيير .. وكنت حينها من عشاق جيفارا الرمز الثوري الكبير .. فاجابني بهدوء العالم الأثير :

“الثورة حالة استثنائية في التاريخ ، ويجب تجاوزها فيما بعد .. في فرنسا نحن ننظر اليوم للسياسي الثوري نظرة دونية “.

تذكرت هذا القول .. وانا اشاهد لقاءات غلب عليها طابع الحماسة لتطبيع العلاقات بين السودان واسرائيل .. ومباحثات علنية من اجل فتح السفارة الاسرائيلية في قلب العاصمة الخرطوم .

كانت القمة العربية في العاصمة السودانية .. من اكثر القمم تحديا وشعورا بالمسؤولية القومية .. بعد اعلان القادة العرب .. لاءاتهم الثلاث في الخرطوم سنة 1967( لا صلح ، لا تفاوض ، ولا اعتراف ) باسرائيل ..حقا لقد افرحوا وقتها الجماهير العربية الغاضبة بهذه اللاءات الثورية ، وكانت ايضا تخديرا مناسبا

مشفوعا بالحماسة الوطنية .

كان الزعيم عبد الناصر ، يتمتع بكاريزما سياسية لافتة ، وبقدرة فريدة بصياغة الخطابات الثورية ، من اجل وحدة الامة العربية ، حتى اصابت عدواه معظم القادة العرب ، من دون تمعن ولا روية .

في نكسة حزيران سنة 1967 وانتصار اسرائيل على العرب مجتمعين .. انفضح المنهج الثوري .. ومات عبد الناصر قائد الشعب ، وبقي صدى صوته في حنجرة احمد سعيد ، واذاعة صوت العرب .

ويأتي انور السادات ، مبتعدا عن النبرة الثورية ، مقللا من وطأة السجالات السياسية مع قادة اسرائيل ، فاتسمت خطاباته بشيء من العقلانية والواقعية ، وبعد انتصاراته في حرب تشرين على اسرائيل سنة1973 ، فاجأ العالم بزيارته اسرائيل .. ثم يلقي خطبة الصلح التاريخية .. في الكنيست الاسرائيلي ،

وامام عدسات الوكالات العربية والصحافة العالمية .

كان الانتصار السياسي والمعنوي لتل ابيب واضحا ، بتحييد مصر عسكريا وسياسيا ، وابعادها عن محيطها العربي .

اليوم جرت خطوات العودة المدروسة الى عاصمة اللاءات العربية الخرطوم السودانية.

دون استغراب من احد ، ولا مظاهرات جماهيرية تغص بها الشوارع العربية .. فقد تعودنا على تقديم التنازلات العربية.. بالنقد او بالتقسيط المريح ، فالساسة العرب يفضلون السفر على بساط الريح .

وجود وزير الخارجية الاسرائيلي في الخرطوم مصافحا الجنرال البرهان ببرته العسكرية ،فيه اكثر من دلالة رمزية .. يذكرني يذكرني بعودة الجنرال الفرنسي هنري گورو سنة 1920 الى دمشق بعد انتهاء الحرب العالمية .

حرص هذا الجنرال على الوقوف فوق قبر صلاح الدين الايوبي قاهر الصليبيين .. قائلا شامتا ( ها .. قد عدنا يا صلاح الدين ) .

ختم الكلام .. هناك مثل يهودي يقول ” اذا كان لك سببا وجيها للعيش ابدا .. فعليك تحمل كل شيء” .

لقد تحملوا .. وعملوا ، وعادوا ..الى قبر صلاح الدين ، والى خرطوم لاءات الاولين ..

ونحن الساهون اللاهون ، و بنزاعات السلطة متمرسون .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى